هناك تقديرات تشير إلى أن حوالي 50% من إجمالي عدد الفلسطينيين يتواجدون داخل فلسطين. الفلسطينيون لا يمثلون مجرد أرقام، بل هم طاقات عملية وعلمية تشكل جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية المتجذرة. فلسطينيو أوروبا، نتيجة مباشرة للهجرات المتتالية إلى القارة الأوروبية منذ نكبة عام 1948، يزخرون بطاقات علمية وأكاديمية ومهنية كامنة كبيرة، ما يعزز من نتاجات الهوية الوطنية الفلسطينية في داخل الوطن وخارجه.
وفقاً لتقديرات الجهاز الإحصائي الفلسطيني في رام الله، يقدر عدد الفلسطينيين في أوروبا بحوالي 294 ألف فلسطيني. هذا الرقم قد يكون غير دقيق بالكامل نظراً لعدم وجود مسح ميداني شامل، والاعتماد على التقديرات.
من العوامل الرئيسية التي أثرت في التحولات الديموغرافية للشعب الفلسطيني الكمية، الاحتلال الإسرائيلي وسياساته الإحلالية منذ عام 1948. في ذلك العام، أُنشئت إسرائيل بدعم بريطاني وغربي على 78% من مساحة فلسطين التاريخية التي تبلغ 27009 كيلومترات مربعة. تم طرد حوالي 61% من إجمالي عدد الفلسطينيين الذي كان يبلغ في عام 1948 مليوناً وأربعمئة ألف، وأُخليت 531 قرية ومدينة فلسطينية. بعد النكبة، تركز الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تواجد كبير للاجئين في الأردن، وسوريا، ولبنان، وأعداد أقل في العراق ومصر، بالإضافة إلى الذين استقر بهم الحال في أوروبا والأمريكتين.
وفي عالم متغير، يبرز دور الكوادر الفلسطينية في الخارج كعنصر حاسم في معادلة القضية الفلسطينية. لطالما تم تصوير الشعب الفلسطيني في الإعلام والمحافل الدولية كأرقام وإحصاءات ضحايا ومهجرين، لكن الحقيقة تتجاوز ذلك بكثير. هؤلاء الأفراد، بمهاراتهم وتجاربهم، يمثلون طاقات إبداعية وكفاءات متميزة تسعى ليس فقط للتميز في مجالاتهم، بل أيضاً لتحقيق حلم تحرير الوطن وعودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين.
الفلسطينيون في الخارج لم يتميزوا فقط في مجالات تقليدية كالطب والهندسة، بل أيضاً في مجالات مثل الفنون، الأدب، والعلوم الاجتماعية. هذا التنوع يعكس غنى الثقافة والتراث الفلسطيني. على سبيل المثال، وائل الحلاق، المفكر والمؤرخ المتخصص في الدراسات الإسلامية، له إسهامات بارزة في تفسير التاريخ الإسلامي والقانون، وهو معروف بتحليلاته العميقة التي تعيد النظر في الفهم التقليدي للتاريخ الإسلامي. من جهة أخرى، إدوارد سعيد، واحد من أبرز المثقفين الفلسطينيين، اشتهر بكتابه "الاستشراق" الذي قدم فيه نقداً للتصورات الغربية عن الشرق، ما أسهم في تغيير النظرة الغربية تجاه الشرق بشكل عام. إنجازات مثل هذه لا تساهم فقط في تغيير النظرة العالمية لفلسطين وحدها بل للفهم الخاطئ عند البشر للعالم وللتاريخ الذي راح يقرأ من خلال نظارة الاستعمار العنصرية الضيقة.
إضافةً إلى الإسهامات البارزة للكوادر الفلسطينية في الخارج التي لا يتسع المقال لذكرها، يبرز الدور الحيوي للشعب الفلسطيني ككل في تحديد مستقبلهم وهويتهم. الشعب الفلسطيني، ليس مجرد أرقام وإحصاءات، بل هو عبارة عن قدرات وطاقات كامنة تسعى لتحقيق الحرية والعودة إلى الوطن. ومع معركة "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي كشفت عن هشاشة الدولة الإسرائيلية، ارتفع صوت الفلسطينيين مجدداً في الخارج والداخل ليؤكدوا أن أرض فلسطين هي وطنهم الوحيد.
يعكس هذا التأكيد وحدة وطنية شاملة وحقيقية، متجلية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى المهاجر القريبة والبعيدة. على الرغم من عمليات الترانسفير التي لاحقت الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.