تشكل الحرب على غزة اليوم تحدياً عميقاً للديمقراطيات الغربية؛ إذ تسلط مجازر الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة الضوء على المعضلات المعقدة التي يواجهها العالم عند الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ما يثير الشكوك حول سلامة حرية التعبير في هذه الدول. فما بدأت الحرب في تلك البقعة الجغرافية الصغيرة حتى ظهرت المفارقات والتناقضات التي عرت التعامل الغربي مع القضايا الإنسانية بالغرب، ما وضع الغرب بكل إنتاجاته القيمية التي يزعمها أمام تحديات حقيقية.
يظل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي طال أمده في عالمنا الحديث، نقطة محورية للخلاف الدولي والقلق الإنساني. لطالما تغنت أوروبا وأمريكا الشمالية بالتزامها بحرية التعبير باعتبارها حجر الزاوية في المجتمع الديمقراطي، لكن لطالما أيضاً سقط هذا الالتزام عندما يتقاطع مع المشهد السياسي في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق الأمر بفلسطين، حيث يصبح التضارب في المبادئ واضحاً وخصوصاً حالياً عندما يواجه الأفراد بل والجماعات ردود فعل عنيفة في دول الأنوار تصل للأذى المادي بكل أشكاله بسبب انتقاد السياسات الإسرائيلية أو التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين.
ومن الأمثلة على ذلك، في الولايات المتحدة، فقدت معلمة في مدرسة في ولاية تكساس وظيفتها بسبب رفضها التوقيع على تعهد مؤيد لإسرائيل كجزء من عقد عملها. بينما أعلنت رئيسة جامعة هارفارد الأمريكية، كلودين غاي، التنحي عن منصبها عقب تعرضها لضغوط وانتقادات لاعتبارها المظاهرات ضد إسرائيل داخل الحرم الجامعي ضمن نطاق "حرية التعبير". هذه الحالات ليست معزولة؛ فهي تمثل اتجاهاً متنامياً حيث تجتذب الدعوة المؤيدة للفلسطينيين انتقادات مؤسسية. وكانت الهيئات القضائية غير متسقة في ردودها، حيث أيد بعضها هذه الإجراءات باعتبارها ضرورية بموجب قوانين مكافحة التمييز، في حين اعترض عليها آخرون، مثل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، باعتبارها انتهاكات لحقوق حرية التعبير.
يكشف هذا التباين في التعامل مع قضايا حرية التعبير المتعلقة بالقضية الفلسطينية عن تناقض مثير للقلق. وفي حين أن الدول الغربية تدافع عن حرية التعبير، فإنها غالباً ما تظهر نهجاً انتقائياً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. ولا تتعارض هذه الرقابة الانتقائية مع مبدأ حرية التعبير فحسب، بل تشير أيضاً إلى وجود تأثير سياسي متحيز يقوّض الموضوعية والعدالة المتوقعة في المجتمعات الديمقراطية.
دور الإعلام والرأي العام
يؤثر التصوير الإعلامي بشكل كبير على الرأي العام حول هذه القضية، لذلك تواجه وسائل الإعلام الغربية ضغوطاً كثيرة من الممولين والحكومات لكي تدلس الحقيقة لإسرائيل، لذلك يظهر بكل فجاجة التأطير المنحاز لأخبار الحرب، والتقارير الانتقائية، والتمثيل الناقص لوجهات النظر الفلسطينية من أجل صنع وعي عام منحرف في الشارع الغربي، رغم ذلك انطلقت المظاهرات وغمرت المدن الأوروبية والأمريكية، كمن يطلق النار على قدميه، إذ سيؤدي ذلك التحيز الإعلامي الفج بشكل غير مباشر لتوسيع الفجوة بين المؤسسات والمجتمع، ما يزيد من تعقيد مشهد حرية التعبير. وستمتد تداعيات هذه التصرفات إلى ما هو أبعد من الحدود الوطنية، ما يؤثر على التصورات العالمية لالتزام الغرب بحقوق الإنسان.
إن المعايير المزدوجة الواضحة في الدفاع عن حرية التعبير تنسف المكانة الأخلاقية للدول الغربية على الساحة الدولية، وتدمر دور الغرب الذي كان يبرع في تأديته في السياسة العالمية والدفاع عن حقوق الإنسان. إن تعامل الغرب مع حرية التعبير فيما يحدث في غزة من إبادة جماعية على يد الاحتلال الإسرائيلي يعري التزامه الهش بالمبادئ الديمقراطية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.