تدهورت الأوضاع في الضفة الغربية بشكل حاد في الأسابيع التي تلت الهجوم الذي شنته المقاومة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقد شنَّ الجيش الإسرائيلي غارات عديدة تسببت إلى جانب أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون في خسائر فادحة، وفي الوقت نفسه أغلق الجيش المنطقة، وأغلق الطرق وفرض قيوداً على الحركة الداخلية، في حين قام أيضاً بقمع شديد على حرية التعبير السياسي الفلسطيني، وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من الشلل، وذلك بسبب التكلفة المرتفعة بشكل خاص لموسم قطف الزيتون الذي يجري في شهرَي أكتوبر ونوفمبر.
ويخشى سكان الضفة الغربية أن الأسوأ قادم، وأنهم عالقون بين الاحتلال المتعمق والعنف المتصاعد من جانب الجيش والمستوطنين، ومن ناحية أخرى، الغياب التام للقيادة السياسية أو الأفق السياسي، مما يتركهم دون أي وسيلة حقيقية للتحقق من التصرفات الإسرائيلية.
الوضع متوتر للغاية فقد أثار هجوم 7 من أكتوبر غضب المستوطنين والجنود الإسرائيليين في الضفة الغربية الذين أدى غضبهم إلى تفاقم أعمالهم ضد السكان الفلسطينيين، ومن ناحية أخرى أدت المذبحة في غزة إلى صرف انتباه العالم عن قمع الذي يحدث الضفة الغربية المحتلة، ومنحهم حرية أكبر للتصعيد على نحو كان من المرجح أن يثير إدانة دولية أسرع وأقوى في الماضي.
قتل الجنود الإسرائيليون، وفي بعض الحالات، المستوطنون، أكثر من 227 فلسطينياً في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ليصل إجمالي القتلى في عام 2023 حتى الآن إلى أكثر من 426، وهو أكثر بكثير من 170 شخصاً قتلوا في عام 2022، وهو العام الذي أعلنت الأمم المتحدة أنه العام الأكثر دموية منذ عام 2006. ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر أيضاً اعتقل الجيش الإسرائيلي أكثر من 5000 فلسطيني من الضفة الغربية وهو غالباً رداً على منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر الدعم لحماس أو المقاومة المسلحة، ورغم أنها في بعض الأحيان لم تكن مجرد أكثر من تعاطف مع محنة إخوتهم الفلسطينيين في قطاع غزة. وتزعم السلطات الإسرائيلية أن العديد من هؤلاء المعتقلين هم أعضاء في حماس أو الجهاد الإسلامي ومع ذلك، فمن بين المعتقلين العديد من الشخصيات السياسية البارزة، مثل خالدة جرار وعمر عساف.
ويداهم جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة رام الله، المركز الإداري للسلطة الفلسطينية، بشكل شبه يومي وقد أصبحت هذه العمليات أكثر تدميراً، حيث ألحقت أضراراً أكبر بالمنازل والشركات. في كثير من الأحيان، يبدو الضرر بلا مبرر، كما هو الحال عندما دمرت إسرائيل الطرق في المخيمات والمدن الفلسطينية كما حصل في مدينة جنين ومخيمها، وقد هدم جيش الاحتلال وسرق "حصان جنين"، وهو تمثال في مخيم جنين يرمز إلى الحرية، أقامه فنان ألماني والسكان لإحياء ذكرى مجزرة جنين عام 2002، وهدمت بوابة المخيم المقوسة بالجرافات وارتكب الجنود الإسرائيليون أعمال تدمير مماثلة في مناطق حضرية فلسطينية أخرى مكتظة بالسكان في الضفة الغربية مثل طولكرم ومخيماتها.
وإلى جانب هذه الحملة، هناك إجراءات الإغلاق المكثفة التي تجعل العديد من الفلسطينيين محبوسين في مدنهم وقراهم وتسيطر إسرائيل على الطرق السريعة الرئيسية في الضفة الغربية ومعظم الطرق الفرعية التي تربط المدن والقرى الفلسطينية، وقد أغلق الاحتلال نقاط التفتيش المعتادة على شرايين الطرق الرئيسية، وأوقف أي حركة عبرها، في حين ظهرت العديد من نقاط التفتيش الجديدة، التي يديرها المستوطنون. كما قامت ميليشيات المستوطنين التي تحرس المستوطنات بمحاصرة القرى الفلسطينية باستخدام السواتر الترابية والكتل الإسمنتية والبوابات الحديدية، إلى جانب نقاط التفتيش التابعة لها في بعض الأحيان وأي فلسطيني يسافر على الطرق يتعرض لخطر الهجوم.
تظل أخبار ما يجري على الأرض محدودة، بسبب القيود التي يفرضها الجيش على الحركة والمضايقات المتكررة للصحفيين هناك. وتعتمد منظمات المجتمع المدني التي تراقب الوضع على المتطوعين المحليين، حيث لا يستطيع موظفوها السفر بحرية.
استغل المستوطنون في الضفة الغربية التركيز الإعلامي على غزة
وقد شهدت الضفة الغربية حشداً كبيراً للمستوطنين منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ حيث قامت حكومة الاحتلال بتجنيد متطوعين من سكان المستوطنات لتشكيل ميليشيات في الضفة الغربية والقدس الشرقية والمدن الإسرائيلية المختلطة، حيث يعيش السكان اليهود والعرب جنباً إلى جنب، وقد أطلق وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتامار بن غفير، وهو نفسه وزير استيطاني يميني متطرف، على هذه الميليشيات اسم "فرق الأمن" بشكل ملطف، بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم الجنود المنتشرين الآن في الضفة الغربية هم من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم للتعبئة بعد 7 أكتوبر، ويقال إن العديد منهم يأتون من المستوطنات نفسها.
ومن بين الفلسطينيين الـ 227 الذين قُتلوا في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قتل المستوطنون ثمانية (مقارنة بستة منذ بداية عام 2023 واثنين في عام 2022). من بين 202 هجوم خطير للمستوطنين سجلتها الأمم المتحدة (بمعدل حوالي سبع هجمات يومياً، وهي زيادة كبيرة مقارنة بمستوى ما قبل 7 أكتوبر البالغ ثلاثة هجمات يومياً)، كان 28 هجوماً موجهاً بشكل أساسي على الأشخاص، و141 هجوماً بشكل أساسي على الممتلكات، و 33 هجوماً آخر على كل من السكان والممتلكات.
كما قام المستوطنون أيضاً بتهجير 15 تجمعاً فلسطينياً قسراً، يضم 111 أسرة أو 905 أشخاص، 356 منهم أطفال، في وادي السيق وجنوب جبل الخليل وعين سامية بالقرب من رام الله و في مناطق غور الأردن، وكلها في المنطقة (ج)، التي تشكل 60 في المئة من الضفة الغربية، وتقع تحت سيطرة الاحتلال. وفي الأجزاء الشمالية من المنطقة (ج)، جابوا البلدات والقرى ووزعوا منشورات تهدد بطرد السكان الذين يرفضون المغادرة، في حين وقف جيش الاحتلال الإسرائيلي موقف المتفرج بشكل سلبي خلال مثل هذه الأعمال و هو يحمي الكثير من هذه الأعمال في الأغلب.
كيف تبدو الحياة اليومية لفلسطينيي الضفة الغربية في الوقت الحاضر؟
حالياً يزداد الأمر صعوبة منذ بداية الحرب، وقد كان عنف المستوطنين يتزايد بالفعل في حين تسببت غارات الجيش في أضرار جسيمة، سواء من حيث الخسائر البشرية أو في الممتلكات، لكن الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون في حياتهم اليومية وصلت إلى مستوى جديد.
إن أي شكل من أشكال حرية الحركة أو وسائل النقل العام في الضفة الغربية لم يصبح مرهقاً فحسب، بل أصبح خطيراً أيضاً، بسبب الإغلاق وعنف المستوطنين وقد مُنع أكثر من 190 فلسطينياً يعملون في إسرائيل من الدخول، ونتيجة لذلك فقدوا دخلهم وتحولت معظم المدارس والجامعات إلى التدريس عبر الإنترنت حرصاً على سلامة الطلاب، لقد توقفت التجارة الطبيعية، ولا يمر أي شيء تستورده الضفة الغربية عبر إسرائيل، ويؤدي ذلك إلى النقص في المواد الغذائية والمستلزمات في بعض المناطق؛ ما أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار، بما في ذلك أسعار سلع مثل الدجاج، حيث تعاني المناطق القريبة من مزارع الدجاج من وفرة في حين تعاني المناطق البعيدة من الندرة. كما أدت هجمات المستوطنين المتزايدة إلى عدم قدرة العديد من المزارعين على الوصول إلى أراضيهم أو رؤية محاصيلهم مدمرة.
أحد المخاوف الرئيسية للعديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية هو الظروف داخل السجون الإسرائيلية
أحد المخاوف الرئيسية للعديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية هو الظروف داخل السجون الإسرائيلية، حيث يوجد حالياً حوالي 7000 أو أكثر من الفلسطينيين المحتجزين هناك. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصبحت هذه الظروف أسوأ بكثير، مع زيادة في حدوث التنكيل وشدة الضرب وغيره من أشكال التعذيب، وقد توفي ما لا يقل عن 6 فلسطينيين اعتقلوا في الحملة الحالية في السجون الإسرائيلية وأفاد سجناء آخرون بوجود كسور في العظام والأسنان. وبحسب ما ورد قام المحققون أيضاً بتعذيب المعتقلين للضغط على أقاربهم لحملهم على الاستسلام، كل هذه الممارسات كانت شائعة قبل 7 أكتوبر، لكنها الآن تبدو أكثر انتشاراً وعنفاً، أدت مقاطع الفيديو الخاصة بتعذيب الفلسطينيين على أيدي الجنود والمستوطنين إلى تعميق مخاوف أولئك الذين لديهم أقارب في السجون الإسرائيلية.
بالإضافة إلى الصدمة و المفاجأة التي شعر بها العديد من الفلسطينيين بسبب هجمات 7 من أكتوبر – سواء بسبب عدد القتلى، بمن فيهم الإسرائيليون، أو حقيقة أن حماس تمكنت من اختراق دفاعات إسرائيل بشكل كامل واجتياح وحدات من جيش الاحتلال- كان السكان خائفين أيضاً، من الكيفية التي قد تعاقبهم بها إسرائيل بشكل جماعي على ما حدث من هجمات، ومنذ البداية، أدركوا أن حجم هجوم حماس، وارتفاع عدد القتلى في صفوف الاحتلال، ورد الفعل الأولي من جانب حلفاء إسرائيل الغربيين، من شأنه أن يطلق العنان لرد فعل إسرائيلي لم يكن حتى لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل أن تتخيله من قبل واستعدوا للأسوأ، ليس فقط فيما حدث بقطاع غزة ولكن أيضاً في الضفة الغربية، حيث توقعات بأن إسرائيل تؤوي خططاً لطرد الفلسطينيين إلى الأردن بعد ترغم الفلسطينيين في غزة على العيش في مخيمات اللاجئين في صحراء سيناء المصرية وفي ظل حديث الساسة الإسرائيليين عن "النكبة الثانية"، في إشارة إلى الطرد الجماعي في عام 1948، والذي بدا وكأنه يشير إلى نية إسرائيل المبيتة في ذلك.
دفعت هذه المخاوف وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إلى تحذير إسرائيل من أن حكومته ستعتبر أي محاولة لطرد الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية بمثابة إعلان حرب. وبينما التزمت الحكومات الغربية الصمت إلى حد كبير في مواجهة العمليات الإسرائيلية التي تقتل الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء وتدمر جزءاً كبيراً من غزة، فإن الغضب والشعور باليأس المطلق من أن الأمور سوف تتحسن، يتزايد بشكل واضح، الأمر الذي يمكن أن يغذي المزيد من أعمال العنف.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.