يقوم الشعب الفلسطيني بدور عظيم ومحوري للتمسك بهويته وذاته ضد كل عمليات الاجتثاث التي يقوم بها المحتل للقضاء على كل ما ينتمي بحق إلى هذه الأرض، ورغم شتى طرق العذاب والبطش التي يمعن الاحتلال في استخدامها، لم يكسر ذلك الفلسطينيين، بل أصبحوا ذوي باع طويل في شتى طرق المقاومة وأنواعها، لذلك يمعن الاحتلال في القتل والإبادة كل يوم، لأن الشعب كله يقاوم حمل البارودة أم لا، لقد سار الشعب الفلسطيني في درب الألم الطويل بإرادته لأجل أن ينتزع حريته انتزاعاً.
لذلك نرى الإرهاب الإسرائيلي يلاحق الفلسطينيين بالإبادة الجماعية في وطنهم والمَهاجر القريبة والبعيدة، في غزة، والضفة الغربية، والقدس وفي كل أراضي فلسطين المحتلة، منذ السابع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ونرى كيف يستهدف كل من يستطيع أن ينشر أو يوثق أو يساند الحقيقة من صحفيين وفنانين وشعراء وأدباء وعلماء ومفكّرين ورجال أعمال. تسعى آلة القتل الإسرائيلية لوأد القضية الفلسطينية، غير مدركة أن كل ما تفعله يضيع هباء منثوراً، إذ لم يفلح الاحتلال بشتى الطرق، في أن يمحو صيرورة الهوية الوطنية الفلسطينية منذ أكثر من 75 عاماً.
ويمكن الجزم بأن استمرار نتاجات الشعب الفلسطيني وتطورها في كافة مسارات الحياة يؤكد دون لبس، أن الهوية الوطنية غير قابلة للمحو رغم شراسة عدوان المحتل.
إنجاز موسوعة مبسطة
ولو عدنا إلى اللّبِنة الأولى لتوثيق نتاجات الهوية الوطنية الفلسطينية، نجد أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت أصدرت القسم الأول من الموسوعة الفلسطينية عام 1984، بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم؛ وتهدف الموسوعة الفلسطينية إلى تقديم فلسطين تاريخاً وأرضاً وشعباً وقضية ونضالاً. وتتألف الموسوعة المطبوعة بالعربية من 11 مجلداً، وصدرت الطبعة الأولى منها في عام 1984 وتمت فهرستها؛ لتضمن دراسات متخصصة حول تاريخ وجغرافية فلسطين التاريخية؛ وتاريخ الحضارة؛ ودراسات القضية الفلسطينية.
مضى على إصدار الموسوعة الفلسطينية بقسميها أكثر من 3 عقود من الزمن؛ وعلى الرغم من أهمية ما احتوته من معلومات ودراسات وقضايا مفصلية حول فلسطين القضية، والوطن والشعب والهوية؛ فإن الضرورة تحتم القيام بعمل موسوعي جديد أكبر بكثير؛ بحيث يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي شهدتها القضية الفلسطينية؛ وكذلك حراك الشعب الفلسطيني ونشاطه في كافة ميادين الحياة، وتشبثه بأرضه رغم درب الآلام الطويل.
الثابت أن الأرض والشعب الفلسطيني هما الرمزان الأساسيان للهوية الوطنية المتشكلة، التي تحاول إسرائيل طمسها وتغييبها عبر سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية والإحلال لفرض ديموغرافيا تهويدية في نهاية المطاف.
وبالنسبة للأرض الفلسطينية، فإنه على الرغم من صغر مساحة فلسطين وبساطة تكوينها فإن كل الفلسطيني حتى وبعد عقود الاحتلال يعرفها وتعرفه، ويجب على الشعوب العربية أيضاً أن تعرفها لمقاومة أي محاولات من الاحتلال لطبع النسيان في الوجدان، لذلك يمكن تقسيم أرض فلسطين إلى أربع مناطق، تتميز كل منها عن الأخرى في نظام سطحها ومناخها ونباتها. ومنها منطقة السهول: وأبرزها السهل الساحلي وسهل مرج ابن عامر، وتشكل 17% من مساحة فلسطين؛ ومنطقة النقب وتشكل 50% من المساحة العامة تقريباً، إضافة إلى المنطقة الجبلية وتشكل 28% من المساحة العامة، فضلاً عن وادي الغور ويشكل 5% من المساحة العامة لفلسطين.
وقد قسمت إدارة الانتداب البريطاني فلسطين منذ يوليو/تموز 1939 إلى ستة ألوية، وهي:
أولاً: لواء الجليل: ويقع في أقصى شمالي فلسطين قرب الحدود اللبنانية ومركزه مدينة الناصرة، ويتألف من خمسة أقضية هي: عكا، بيسان، الناصرة، صفد، طبرية، وكان عدد سكان اللواء في عام 1945 (231) ألف نسمة ومساحته (2.801.383) دونماً، أي (10.4%) من مساحة فلسطين.
ثانياً: لواء حيفا: ومركزه حيفا، ويتألف من قضاء حيفا فقط ومساحته (1.031.755) دونماً تمثل (3.8%) من مساحة فلسطين، وسكانه في عام 1945 (242630) نسمة.
ثالثاً: لواء نابلس: مركزه مدينة نابلس، ويتألف من ثلاثة أقضية، هي: نابلس وجنين وطولكرم، ومساحته (3.262.292) دونماً، تمثل (12.1%) من مساحة فلسطين، وسكان اللواء المذكور في عام 1945 (232220) نسمة.
رابعاً: لواء القدس: يتوسط فلسطين ومركزه مدينة القدس، ويتألف اللواء من ثلاثة أقضية، هي: القدس، وتتبعه بيت لحم، وأريحا، والخليل ورام الله ومساحته (4.333.534) دونماً؛ أي نحو (16%) من مساحة فلسطين، وعدد سكانه (384880) نسمة.
خامساً: لواء اللد: ومركزه مدينة يافا، ويتألف من قضائيْ: يافا والرملة، ومعظم أراضيه سهلية، ومساحته (1.205.558) دونماً أي نحو (4.5%) من مساحة فلسطين، وسكانه في عام 1948 (501070) نسمة.
سادساً: لواء غزة: ويقع في جنوب فلسطين، ويشمل جزءاً من السهل الساحلي الفلسطيني ومنطقة النقب التي تعادل وحدها نصف مساحة فلسطين، ومركز اللواء مدينة غزة، ويتألف من قضائيْ غزة وبئر السبع، ومساحة اللواء (13.688.501) دونم أي نحو (50.7%) من مساحة فلسطين، وعدد سكانه (190880) نسمة، أي إن الكثافة السكانية فيه كانت عام 1945 نحو (14) نسمة في الكيلومتر المربع الواحد.
ومنذ تولي نتنياهو سدة الحكم في إسرائيل، تم استصدار عدة قوانين للحد من التواصل الديمغرافي العربي بين المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 والمحتلة عام 1967، واعتمدت المؤسسة الإسرائيلية عدة سياسات لمحاولة فرض يهودية الدولة، حيث تمت عملية مبرمجة لتهويد الأماكن التاريخية العربية، فضلاً عن تهويد المقدسات، وفي المقدمة منها المساجد والكنائس.
رمز الهوية
أما عن الشعب الفلسطيني الرمز الأهم للهوية الوطنية، التي تشكلت وترسخت وتجذرت عبر تاريخ طويل من الجد والعمل والتطور في كافة مجالات الحياة، فثمة مشتركات بين الهوية الوطنية الفلسطينية والهوية العربية من لغة وعادات وتقاليد ومصير مشترك، لكن الشعب الفلسطيني واجه احتلالات عديدة عبر التاريخ؛ كان أخطرها الاحتلال البريطاني (1920-1948)، الذي أُسس بشكل عملي لإنشاء إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية وطرد 61% من مجموع الشعب الفلسطيني.
ومنذ الاحتلال سعت إسرائيل إلى مجموعة من السياسات والإجراءات لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية؛ لذلك يجب علينا جميعاً كعرب أن نقاوم مع الشعب الفلسطيني بشتى الطرق للحفاظ على هويته الوطنية، بمعرفة وأرشفة كل شيء عن فلسطين، من جغرافيا إلى وصفات الأمهات وكلمات الأطفال، بشتى السبل التكنولوجية والثقافية؛ لننقل لأجيالنا القادمة القضية كاملة بكل أبعادها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.