إن المتأمل اليوم للحياة السياسية في غالبية الدول الإسلامية، خاصة العربية منها، يجدها تفتقد إلى "الديمقراطية بوصفها مجموعة الشروط الاجتماعية السياسية الضرورية لتكوين وتنمية هذا الشعور في الفرد "، وبالتالي أمكن القول بأن "الشعور الديمقراطي" نحو "الآنا" ونحو "الآخرين" غائب تماماً في ضمير المواطنين من جهة، وفي ضمير النخب السياسية الحاكمة، من جهة أخرى.
لقد أُفرغ المبدأ الإسلامي الذي يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم من محتواه الحقيقي واختزله الخطاب الديني في ضرورة "طاعة ولي الأمر " وتحريم " الخروج عن ولي الأمر"، وهو بذلك قد أسهم في رضوخ واستبعاد الشعوب العربية الإسلامية من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية من طرف نخب سياسية همها الوحيد البقاء في السلطة وتحويل المواطنين إلى "قطيع انتخابي" يتم استدعاؤه من حين إلى آخر بهدف إعطاء الشرعية الدولية لبقائها ودوامها في سدة الحكم.
وهنالك غياب تام للوعي الديمقراطي والضمير السياسي لدى الشعوب العربية والإسلامية وخضوعها للنخب السياسية في حين ينتفض المجتمع المدني في العواصم الغربية ضد جرائم الإسرائيليين في قطاع غزة والنخب السياسية الغربية والميديا المتواطئة مع الصهيونية العالمية رغم تستر الصحافة العالمية على ذلك.
وقد قرر المجتمع المدني في العواصم العربية الصمت وقبول الأمر الواقع والاستقالة من الحياة السياسية وعدم الاكتراث لجرائم إسرائيل في فلسطين. فالشعوب العربية فقدت منذ زمن طويل "فاعليتها" وتأثيرها الاجتماعي والسياسي في الداخل وفي العالم بصفة عامة، إذ أضحت "غثاء كغثاء السيل"، لا رسالة لها، ولا دور لها في عالم اليوم.
إن الجماهير العربية الإسلامية باتت ساذجة، إذ إنها تنقاد بسهولة مطلقة وراء الأيديولوجيات العاطفية والشعارات، عوض تغليب لغة المنطق والعقلانية في علاقتها مع السلطة مهما كان شكلها (استعمارية بحتة، أو نخب مستلبة أو نخب ممتهنة للبوليتيك…).
في هذا الإطار نستذكر من التاريخ بعض ردود الأفعال العمياء للحشود الإسلامية، المثال الأول يتجسد في انقياد الجماهير المسلمة وراء المشروع البريطاني الذي وضعه تشرتشل في شبه الجزيرة الهندية بدعوته إلى إنشاء دولة للمسلمين، أي الباكستان (1948)، وهو ما أدى الى عواقب وخيمة في المنطقة. أما المثال الثاني فيتجسد في الثورة العربية الكبرى (1916) في شبه الجزيرة العربية وفي أقطار المشرق العربي ضد العثمانيين، وكان ذلك بإيعاز من البريطانيين، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تقسيم المشرق العربي الى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية. في كلتا الحالتين، ردود الفعل التي صدرت عن الشعوب الإسلامية ونخبها جاءت خدمة لأجندات خارجية ومصالح غربية خالصة، وهو يبين كذلك سذاجة وانقياد الجماهير العربية الإسلامية وراء خطط وقرارات النخب السياسية.
لقد باتت الجماهير العربية بسبب تدمير الحياة السياسية غير عقلانية وغير ناضجة سياسياً، فقد أضحت هدفاً وضحية في آن واحد لمختصي "الصراع الفكري" الذين يتفننون في التلاعب بهم وبنخبهم وتضليلهم.
إن الحياة السياسية في العالم العربي الإسلامي اليوم تتميز بتخلي النخب المثقفة وكذا الفاعليين الاجتماعيين وكل شرائح المجتمع عن مسؤوليتهم التاريخية والإلهية لصالح النخب السياسية والعسكرية واستقالتهم من الحياة الاجتماعية والسياسية، وهو الوضع الذي أنتج بطبيعة الحال نخباً سياسية مستبدة وطواغيت لا يهمها كسب ثقة الجماهير فهي تعتبرها غير ناضجة وغير مؤهلة لإدارة شؤونها الاجتماعية والسياسية. اللافت للنظر هو دفاع بعض شرائح المجتمع عن جلاديها، بل إنها تطالب عوض تطبيق القوانين وتحقيق العدالة الاجتماعية وتبني الإصلاحات في شتى المجالات باضطهاد الشعب وتكميم الأفواه الداعية إلى الديمقراطية والشفافية في تسيير الشؤون السياسية والاجتماعية، بدعوى أن المجتمع غير راشد وغير مؤهل لتقرير وصناعة مصيره بيده. هذا التفكير يفسر عدم اكتراث النخب السياسية بكسب ثقة المواطنين، بل يتعدى ذلك إلى إذلالهم وإهانتهم واحتقارهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.