تكبَّد جيش الاحتلال الإسرائيلي هزائم مؤلمة في ميدان الحرب من قِبل رجال المقاومة، إذ لم يستطِع ذلك الجيش الأسطوري والمدجج بأحدث الأسلحة أن يهزم رجالاً لا يحملون غير قلوبهم وأسلحة وصواريخ محلية الصنع!
لقد سقط من الاحتلال عدد كبير من الجنود بين قتلى وجرحى، ومن لم تقتله المقاومة عاد أدراجه معاقأً بدنياً أو ذهنياً. في اعتقادي أن هذه الهزيمة توضح الكثير عن تأرجح هذا الجيش وضياع مكانته، وتذبذب أدائه الذي يُظهر عدم تماسكه، وعدم قدرته على إيضاح ضعفه للعالم حتى يعتقد أن قتل امرأة حامل وأطفال لا حول لهم ولا قوة إنجاز.
خلال هذه الحرب تكمن ازدواجية الكذب والاعتقاد عند الاحتلال، التي تنقلب عليه اليوم، فبينما يصوّر نفسه كأنه الجيش الأسطوري الذي لا يهزم، وأنه الدولة الأقوى في المنطقة، يستجدي العالم بأنه مستضعف ومضطهد، بينما يمعن القتل في أصحاب الأرض، فراح يسوّق لنفسه كذباً أنه ضعيف ويستحق المساعدة من دول العالم التي تدّعي التحضر، وتارة أخرى يسوّق لنفسه على أنه نموذج لدولة قوية قادرة على سحق مَن يعاديها.
يقع الاحتلال اليوم ضحية ازدواجيته وكذبه الدائم، والذي هو جوهر وجوده، إذ عمل على تصدير البروباغاندا لنا وللعالم بتفخيم آلته الحربية وأسلحة مقاتليه وعدد المعدات وتطورها وندرتها، وها هو اليوم غير قادر على التصدي لبعض القذائف التي تؤلمه بسقوطها داخل تل أبيب وغيرها من المدن المحتلة.
إن الاحتلال لا يدرك ازدواجيته؛ بل يتعامل معها كأمر طبيعي، لذلك لا يرى أي خجل بأن يطلب من الدول التي تدّعي الحرية ليلاً ونهاراً بأن تسلحهم لإنهاء حركة المقاومة التي تسعى للحرية بحق.
لا يستطيع الاحتلال إدراك أو استيعاب الواقع، وكيف يمكن لمجموعة من شباب فلسطين الأقوياء المتسلحين بدينهم وعتادهم وأسلحتهم اليدوية أن يكبدوه كل هذا الألم وكل هذه الهزائم، فقد نسفوا هيبته وأفقدوه السيطرة والسمعة التي كان يروّجها كقوة قتالية لا يضاهيها بأس في العالم، فكل هذا ذهب أدراج الرياح مع "طوفان الأقصى".
فصور الهروب وأصوات الصراخ ونحيب الاكتئاب والجنون الذي أصاب جنوده أمر نشاهده ونسمعه كل يوم بتشفّ، لأن دموع المستعمر شديدة الاشمئزاز، فهذا الجيش الذي صدع العالم بأخلاقياته التي لم يكن لها وجود، يرتكب جنوده فظائع وجرائم لا تقتصر على ما تحمله طائراتهم الحربية لتلقيه على الآمنين في منازلهم، بل تصل إلى القتل الممنهج للأطفال والنساء وكل ما هو حي في فلسطين.
إن هذه الهمجية والوحشية لجيش الاحتلال بحق المدنيين في غزة، ما هي إلا نتيجة هيستريا الانهزام، فقد بعثرت المقاومة معنويات جنوده، بل وحتى المسؤولين، فببسالة ونبل لا نظير لهما، دمروا هذه الشعارات والأساطير الهلامية الذي كانوا يحيطون أنفسهم بها، وما يبث الرعب أن ما أخذ الاحتلال وقادته بناءه في سنوات جاء رجال المقاومة لنسفه في وقت قصير.
ولم تنسف المقاومة الزيف الإسرائيلي فقط، بل نسفت أيضاً تلك الإدعاءات والاتهامات الاستعمارية المعلَّبة التي كان الإعلام الغربي يسوقها عن العرب والمسلمين كافة لعشرات السنين. فلا عجب لذلك بأنها في بداية الحرب سعت لتأكيد ادعاءاتها العنصرية بتصوير المقاومة كجماعة إرهابية، لكن الذي لم يخطر ببالها أن الحقيقة اليوم في عصر التكنولوجيا أوضح من أن تزيَّف، فأصبحت كمن يطلق النار على قدمه، فخسرت هيبتها هي الأخرى بعد أن وقفت علناً ودون أدنى حيادية مهنية مع الاحتلال وعنصريته، بتصوير الفلسطينيين كأنهم وحوش بشرية.
المفارقة أن الهالة الكبيرة التي أحاط جيش الاحتلال نفسه بها على سبيل القوة والمنعة تورثه الجبن والهلاك، وأكبر دليل على ذلك ما نراه يحدث في الجنود الاسرائيليين من ذعر لدرجة الكوابيس وقتل رفاقهم في الميدان، والتبول على أنفسهم، وظهور ما يسمى بهوس الأنفاق عند بعض مستوطنيهم.
بالإضافة إلى ذلك، يرجع ضعف معنويات جيش الاحتلال وضموره إلى أفول الهدف واستحالة تحقيقه، بل وتصرّم الغاية من هذا القتال، قتال لا ينبئ بانتصار محتم أو حتى شبه انتصار، فهل يمكن الانتصار على صاحب الأرض والإرادة؟ وحتى لو استشهد جميع زعماء المقاومة سيظهر من بينهم من يبدأ من جديد بل ستزيد أهدافهم عمقاً و جرأة وجسارة وإقداماً.
في المقابل، يحيط الوهن والاضطراب كامل الاحتلال، حيث بدأ إعلام الاحتلال يحاول الضغط على حكومة نتنياهو من خلال بث بعض المقاطع لتصريحات مسؤولين سابقين، وللجنود وهم يتباكون، بالإضافة إلى إبراز أعداد القتلى، وتصريحات بعض الجنود المصابين أو الذين تلبّسهم مَس من جنون، كل هذا وغيره يمثل ضغطاً على الحكومة بالإضافة إلى انتشار مشاهد القتلى الإسرائيليين وتدمير فخر الصناعة الإسرائيلية "دبابة الميركافا" بقذيفة صنعها المقاومون محلياً.
لقد نسفت المقاومة زيف الاحتلال وأساطيره، وأوضحت للعالم حقيقة جيشه وإنجازته الإجرامية الدنيئة وهي قتل الأبرياء.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.