ثمة أسئلة برزت إلى الأمام بعد نجاح عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وانكشاف هشاشة إسرائيل على كافة المستويات، ومن أهمها ما أشارت له الصحف الإسرائيلية عن مغادرة العديد الإسرائيليين من الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد اندلاع الحرب ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.
إذ تطرقت صحيفة عبرية لهروب نحو 370 ألف إسرائيلي من البلاد منذ بداية الحرب مع المقاومة، ويُضاف هذا العدد إلى 470 ألف إسرائيلي كانوا خارج البلاد في أثناء اندلاع الحرب، ولم يعودوا إلى الآن، ومن غير المعروف ما إذا كان هؤلاء الفارون من إسرائيل سيعودون إليها أم لا، وكان من بين الفئات التي سافرت للخارج ورفضت العودة شباب تم استدعاؤهم للتجنيد والمشاركة في حرب غزة لكنهم تخلفوا وتواجههم عقوبات، خاصة في ظل ارتفاع معدل التخلف عن التجنيد.
وليست مبالغة إن قلت إنه لولا التضييق على البعض لتركوها للجيش وقادته وهربوا، إذ تبخرت أسطورة قوة إسرائيل الأمنية مع طوفان الأقصى. إذ إن ظاهرة الهجرة العكسية لليهود خارج إسرائيل ليست بسبب الحرب على غزة اليوم. بل هي ملازمة للدولة الاحتلال، فكلما استجدت داخلها أزمة سياسية أو أمنية. وهو ما قد أشار إليه تقرير لصحيفة هآرتس، نشر عام 2012، كشف فيه أن نحو 40% من الإسرائيليين يفكرون في مغادرة البلاد.
يمكن القول إن الهجرة العكسية تشكل خطراً وجودياً على الاحتلال الذي يقوم بالأساس على سياسة الاستيطان الإحلالي، بمعنى أنه يأتي باليهود من مختلف الأماكن بينما يفرغ فلسطين من سكانها الأصليين، وذلك وفقاً للمزاعم والأكاذيب الإسرائيلية "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب". لذلك، كان يصر أول رئيس وزراء للاحتلال ديفيد بن غوريون وحتى قبل النكبة في عام 1948، على ضرورة تكثيف سياسة الاستيطان الإحلالي عن طريق زيادة الهجرة إلى إسرائيل، حيث قال: "إن انتصار إسرائيل النهائي سيتحقق عن طريق الهجرة اليهودية الكثيفة، وإن بقاءها يتوقف فقط على توفر عامل واحد؛ هو الهجرة الواسعة إلى إسرائيل"، وهو عكس ما يحدث اليوم، لذلك لا مبالغة بقول إن ظاهرة الهجرة العكسية لها تأثيرات شديدة الخطورة على الاحتلال".
لقد صدق من قال إن الأرض تعرف أهلها، فبرغم التفوق العسكري والعددي اليوم لقوات الاحتلال الإسرائيلي، نجد أن الاحتلال يتكبد الخسائر في الميدان وخارجه، حيث إن الحرب لم تأتِ إلا بنتائج سلبية على الاحتلال، حيث لم ينجح العدوان إلى تهجير أهل غزة كما كان يُطمح، بل العكس نرى الهجرة الطوعية للمواطنين الاحتلال هاربين من خوفاً الحرب، وهذا يشير إلى أن الأسطورة الأمنية لاحتلال المسيح قد انهارت حتى في الوعي بشكل عام بعد عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول سواء داخلياً أم خارجياً.
اليوم، تتواصل الحرب في شهرها الثالث، ومع توسع رقعتها، تكتسب آثارها الكارثية والطويلة الأمد أبعاداً إضافية على الاحتلال، مما ينبئ بتبعات غير متوقعة عليه.
ففي ظل النقص العددي لليهود في إسرائيل، يضطر جيش الاحتلال إلى الاعتماد بنسبة 65% على جنود الاحتياط. ومع ذلك، يشكل هذا الاعتماد على الجيش الاحتياطي عبئاً اقتصادياً ضخماً، حيث تكبد تلك التكلفة الخزانة الإسرائيلية أموالاً طائلة. ومن هنا، يكون تفضيل الاحتلال للحروب ذات المدى الزمني القصير، نظراً لتأثيراتها المحتملة على عجلة الاقتصاد.
خلّفت حرب غزة تبعات اقتصادية خطيرة، فبجانب الخسائر العسكرية المباشرة، حرمت الحرب الاحتلال أيضاً من الاستفادة من اليد العاملة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع تصاعد ظاهرة الهجرة العكسية، تفاقمت أزمة الحاجة إلى العمالة في مختلف القطاعات الصناعية والزراعية والخدمات. ومع استدعاء الجيش الإسرائيلي لنحو 360 ألف جندي احتياطي من إجمالي 465 ألف، تزيد هذه الضغوط على الاقتصاد، مما يُفاقم التحديات في ظل استمرار الحروب.
هذا الوضع يقلق قادة الاحتلال، لأن أي هزيمة لإسرائيل في غزة حالياً تعني تصاعد الهجرة العكسية؛ مما سيؤدي لتدمير مخططات وطموحات نتنياهو بشأن زيادة الاستيطان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.