خلال العقد الأخير، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً متفوقاً ومتنوعاً في نقل الأخبار وتشكيل وجهات نظر بشكل عام. ويبدو أن شباب فلسطين قد نجحوا بشكل استثنائي في استخدام هذه الوسائل بذكاء وبراعة، حيث قاموا بالتعبير عن قضيتهم بلغات متعددة وبتمكن ووعي عالٍ. سواء في أراضي فلسطين التاريخية أو في أماكن تواجدهم بالمغتربات، استغل الشباب الفلسطيني هذه الوسائل بفهم عميق للوضع، ليس فقط بهدف دحض الرواية الإسرائيلية حول فلسطين وشعبها بل أيضاً لنقل الرسائل بشكل فعّال بوسائط متعددة، بالصوت والصورة، لفضح فاشية الاحتلال ومجازره المستمرة بحق الفلسطينيين.
طوفان الأقصى
مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى" ونجاحها على عدة مستويات، واستمرار تأثيراتها وتداعياتها المتنوعة، تمكن الشباب الفلسطيني داخل حدود فلسطين التاريخية وفي المناطق المهاجرة القريبة والبعيدة من ترسيخ وحدة الشعب الفلسطيني. كما كشفوا عن زيف الرواية الإسرائيلية التي صورت فلسطين كأرض قفراء.
تم التركيز أيضاً على إبراز عنصرية دولة الاحتلال الإسرائيلي وفاشيتها من خلال استهداف المدنيين، وخاصة النساء والأطفال والشيوخ، بعد تدمير منازلهم فوق رؤوسهم. إذ نجح الشباب في إبراز الجوانب الإنسانية والأخلاقية للقضية الفلسطينية على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال عرض وكشف لللانتهاكات الوحشية التي يتعرض لها الأفراد العزل من قبل قوات الاحتلال.
في ظل المجازر الإسرائيلية التي نشهدها اليوم، استمرت وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل غير منظم من قلب الرأي العام العالمي، إذ أظهر الشباب الفلسطيني والعرب إبداعاً لافتاً في استخدام هذه المنصات للتعبير عن احتجاجهم وتسليط الضوء على الاستعمار الإسرائيلي.
إذ يدرك الشباب اليوم أكثر من أي يوم مضى، فاعلية السلاح الذي في أيديهم، فباتت منصات كفيسبوك، وتيك توك، وتويتر، وإنستغرام، ويوتيوب وسيلة فعالة لنقل أصواتهم وأفكارهم، بأساليب إبداعية ومتنوعة تناسب تنوعاتهم، فاستطاعوا عن طريق الكتابة والرسم والغناء والتصوير إيصال قضيتهم الأولى بشكل عميق، مما أحدث تفاعلاً هائلاً وتواصلاً حيوياً في فضاءات مفتوحة، على الرغم من انحياز منصات التواصل الاجتماعي الكامل لرواية الاحتلال، بل ضغط الجهات السياسية وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي لفرض هذا الانحياز، وتطبيق المزيد من الحصار للمحتوى الداعم لفلسطين، فعلى سبيل المثال: شهدت منصة تيك توك تعاطفاً كبيراً مع الوسوم التي تتضامن مع فلسطين وغزة، وشكلت مساحة مهمة لنشر الرواية الفلسطينية، وبحسب القناة العبرية الـ12، وبناء على تحليل لشركات مختصة بالذكاء الاصطناعي بأن 83% من منشورات الإنترنت المتعلقة بالعدوان على غزة هي ضد دولة "إسرائيل"، في مقابل 9% تؤيدها، وبحسب هذه القناة، فإن كل تقرير إيجابي يؤيد الاحتلال في المواقع الإخبارية الكبرى هناك 3 تقارير سلبية عنها.
بفضل هذه البدائل الإبداعية، نجح الشباب في نشر المعلومات بشكل ملحوظ، سواء كانت صوراً، مقاطع فيديو، رسوماً كاريكاتورية، أو تمثيليات ساخرة. استطاعوا إظهار بشكل بارع القضية الفلسطينية، كاشفين زيف الرواية الإسرائيلية، مظهرين مدى وحشية جرائم الاحتلال، من تهجير واعتقال، إلى قتل الأطفال.
ومع انتشار موجة التضامن مع الشعب الفلسطيني حول العالم، يشهد الشباب في مختلف البلدان تحولاً في فهمهم لتاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. إذ لم تعد الرواية الإسرائيلية مقبولة لديهم، وفقاً لاستطلاع أجراه معهد هاريس بالتعاون مع معهد الدراسات السياسية الأمريكي التابع لجامعة هارفارد.
تسلط هذه الدراسة الضوء على موقف الشباب الأمريكي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً، حيث يتبنون فكرة إنهاء وجود "إسرائيل" وتسليم السلطة لحماس والفلسطينيين. فوفقاً للبحث، يظهر أن 51% من هذه الفئة العمرية في الولايات المتحدة يعبرون عن دعمهم لإنهاء دولة الاحتلال الإسرائيلي.
توضح هذه التغييرات في الرأي العام، مدى فاعلية وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح فعال لدعم القضية الفلسطينية، ويمكن اعتبارها هي أكبر المحركين للمظاهرات الداعمة لفلسطين في العديد من شوارع العالم، فما زالت إلى اليوم تنهض المظاهرات في المدن والعواصم الأوروبية وأمريكا كل أسبوع لتنديد باستمرار القصف والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.