تتفاوت طباع الناس بأخلاقهم وعاداتهم، فعيونهم تفضح ما تخفي نفوسهم، وقلوبهم تدق كدقات الطبول، فتجعل الحي لا يهنأ، والميت لا يريدونه أن ينعم في تُربته، أما الحياة فما هي إلا بضع ضربات على الوجه، يقع من يقع، ويعاني من يعاني، ويقاوم من يقاوم، فجميعهم يحاول أن يحيا في تلك الحياة بطريقته الخاصة، إن نجح فقد ابتلي، وإن فشل فقد ابتلي أيضاً، لكن الذكي الواعي هو من يعرف كيفية تخطي تلك المغامرة الصعبة، وأن يتحدى كل ما يأتي على هواه، وأن يصارع العواصف والرياح العاتية، التي يمكن أن تهلكه أو تبطش به من دون أن يدري.
الحياة ما هي إلا بضع ثوانٍ، تمر مر السحاب، قد فقهها من علم حقيقتها ومرادها، فهي كالعجوز الغبرة، تأتي كشابة جميلة متزينة، ثم تضحك على عشيقها بعد أن تستحوذ عليه، ليرى أنها عجوز قبيح، تخرج لسانها؛ شماتة وسُخريةً من مصيره الذي جذبته إليه.
أما الناس فهم أعوان تلك الحياة، كالملائكة أو الشياطين، فمنهم من يسحب بني جلدته إلى الطريق المستقيم، ومنهم من يجرهم من تلابيبهم إلى الجحيم، فبعضهم يكون أشر من الشيطان الجني، ويكون كالوحش الكاسر الذي لا يبغي إلا ضلال أقرانه، فقد قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)، فهي غاية يسعد بتحقيقها الشيطان بنوعيه، الجني والإنسي، ويبتهج بمجرد أن يرى بني آدم في قاع الظلام، أليس هذا الوصف يعبر عن خبث العالم الذي يحيط من حولنا؟!
فالعالم الآن يتحكم به شياطين الإنس، ويعبثون بكوكبنا كأنه ملكٌ لهم، يريدون القضاء على كل ما هو حق ونور، فهؤلاء الشياطين متمثلون في قادة الغرب وأصحاب القرار، فدمار غزة ليس هو بداية الشر، بل هناك عقود وعقود من القتل والنهب والفساد في جميع أنحاء الأرض من جراء نفوس خبيثة ماكرة، لا تسمع إلا ذاتها، ترى من يعارضها كحيوان نتن لا يستحق الحياة، الكبر قد أعمى قلوبهم قبل عيونهم، ليست غزة هي المشكلة فقط بالنسبة لهؤلاء الشياطين، بل المشكلة هي أن تكون عربياً أو مسلماً أو حراً، وحبذا لو أنت عربي أو مسلم ولك رأي، فالدمار سيحل عليك لا محالة بدون ذرة تفكير.
فهؤلاء الشياطين لا يريدون من يعارضهم، يريدون من يتبعهم في صمت، لا يريدون من لديه عقل، يريدون أن يتحكموا، ويقودوا البشر كغنم إلى ما يحقق خطتهم، ويسعدون بسماع صرخات المعاناة والتوسل، فهم أصبحوا آلات حرب، نسوا أن هناك في هذا العالم بشراً غيرهم، بشراً يضحكون ويبكون مثلهم، بشراً لا يريدون إلا أن يعيشوا في سلام، لكن ليس هناك من هؤلاء الشياطين من يستمع للحق، فقلوبهم أصبحت غلفاً منذ زمن بعيد!
إن على مر التاريخ من يتمادى في عناده في الشر تصيبه آيات من الهلاك والمصائب، فمنهم من خُسف به الأرض، ومنهم من صعق، ومنهم من أصابته رياح عاتية، ومنهم من أرسلت لهم طيور أبابيل يحملون حجارة من سجيل، فالنتيجة دائماً مزلزلة لكل من ضل وطغى، فبداية العذاب تكمن عندما ينسى الطاغي والقاتل أن هناك رباً يرى ويسمع، وأن هناك قوة تفوقه، وأنه بـ"كن فيكون" يمكن أن يتحول إلى تراب، لكن الحقيقة كما قال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
ما علينا إلا أن نوقن بأن الله لا يدع أحداً يفلت بأفعاله الخبيثة أبداً، وأن نصره قريب، فغزة ستنتصر، وكل مظلوم سينتصر على كل ظالم لا محالة، إنما النصر صبر ساعة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.