لماذا تستمر أمريكا في دعم الإبادة الجماعية بغزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/10 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/10 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بقمة السياسة للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) في واشنطن/رويترز

كما كان متوقعاً وكعادتها لم تخيّب الولايات المتحدة الأمريكية ظن حليفتها الاستراتيجية "إسرائيل"، عندما استعملت بصورة سافرةٍ حق الفيتو خلال جلسة مجلس الأمن البارحة، إذ تواصل أمريكا سقطاتها الأخلاقيّة والإنسانيّة، وهي عرابتها منذ نشأة المجلس ولا تزال.

الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن أكدت الولايات المتحدة الأمريكية اتساقاً مع ذلك، بعد استخدام حق النقض "الفيتو"، حيث أبلغت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي معارضتها وقفاً فورياً لإطلاق النار بقطاع غزة، في الوقت نفسه قال مسؤولان أمريكيان حالي وآخر سابق، إن إدارة الرئيس جو بايدن طلبت من الكونغرس الموافقة على بيع 45 ألف قذيفة لدبابات ميركافا الإسرائيلية؛ لاستخدامها في قتال ضد المقاومة في غزة. بينما التزمت بريطانيا الامتناع، الذي يساوي نصف فيتو، أما عن بقية الدول الغربية فحاولت أن تتلاعب بمواقفها من خلال قادتها وممثليها عبر مختلف المنابر، فقد غيّرت موقفها بشكل نسبي، في ظل الظروف الإنسانية العصيبة التي يشهدها القطاع منذ عدوان الاحتلال الغاشم الذي يستمر إلى اليوم منذ أكثر من شهرين.

بينما يظهر جلياً أن واشنطن تفعل كل شيء لدعم حليفتها إسرائيل "بلطجي" الشرق الأوسط، إذ ترى واشنطن أن دعم إسرائيل دعم لهيمنتها المتراجعة في المنطقة، ولا تأبه بأي طريقة ستسترجعها، فالأخلاق والإنسانية ليس لهما مكان في أروقة واشنطن، فالنجاح هو المعيار.

لذلك تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في دعم الاحتلال، ولا ترى مشكلة في استهداف المدنيين وتهجيرهم بشكل قسري نحو جنوب القطاع تمهيداً للنقلة الكبرى نحو سيناء، وتجسيد المشروع الجديد في الشرق الأوسط وبدايته بالقناة الموازية الجديدة، وربح أراضٍ جديدة للمستوطنين الإسرائيليين.

تُظهر المواقف والتصريحات الأمريكية تفعيلاً واضحاً وتكريساً متجدداً لرؤيتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط التي تود أن تتوج الاحتلال كبلطجي وضابط إيقاع ينوب عنها في المنطقة، حتى ولو كلف ذلك آلافاً من أجساد الشعوب العربية، فعلى  لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها ماثيو ميلر، قال: "لا دليل على استهداف إسرائيل للمدنيين"، وإن "الجيش الإسرائيلي من أكثر الجيوش احترافية".

إذن لا يمكن المراهنة على القرارات الأمريكية ومواقفها المخذلة؛ فالإدارة تعمل لتمكين الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق آمال مستوطنيه، وأحلام بايدن هي الأخرى، حيث إن الإدارة الأمريكية الحالية تنظر إلى تلك الحرب من عدسة مصلحتها فقط، فبدعمها اليوم لجرائم الاحتلال قد بدأت حملتها الانتخابية بشكل استباقي، من أجل استدرار عطف وأصوات الناخبين الأمريكيين الذين يمثل منهم الداعمون لإسرائيل نسبة مهمّة.

تدخل المذبحة في غزة شهرها الثالث، بعد الدعوات المتراكمة من المنظمات الدولية العاجزة، وبعد التصريحات العلنية والروتينية للحكومات، وبالأخص الغربية منها، الداعية إلى حماية المدنيين واحترام القانون الدولي.

فوتيرة الموت لا تهدأ ومعدلات إحصاء الجثث كما هي، وكما في الشمال. تتلوث الأرض بعار موت النساء والشيوخ والأطفال، طفل يقتل كل عشر دقائق.

في عالم يحيطه التواطؤ والخذلان لا يمكن ألبتة المراهنة أو انتظار المعجزة، فحالة الحرب الحالية تفرض طبقة إضافية من الاستثناء على أناس مُستثنين بالأساس ومجردين من أبسط الحقوق.

وهذه الاستثنائية لا تفرضها إسرائيل وحدها، بل أيضاً النظام الدولي المتمركز حول الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والأنظمة العربية أيضاً، التي أصبحت تتقن فن التخاذل وتدمير أماني الشعب الفلسطيني وتركه وحيداً يُسحل ويُنكل به تحت أنغام أناشيد الهزائم وترانيم النّكسات. إن الذي ينتظر من تلك المؤسسات الدولية والتحالفات العربية شيئاً مبشراً كمن ينتظر سقوط الثلج في أعماق الصحراء القاحلة.

من يدري كم عدد الفلسطينيين الذين قد يفقدون حياتهم بحلول وقت نشر هذا المقال؟ وكم عدد الضحايا الذين لن يتمكن المسعفون من نقلهم إلى المستشفيات أو المشرحة بسبب نقص الوقود والكهرباء؟ بينما يظل من الصعب تجنب سؤال العالم عن عدم توقف الغارات الجوية الإسرائيلية عن استهداف منازل الأبرياء والأطفال على الطرقات. رغم أن الإجابة يعرفها الجميع: هذا هو المعتاد، هذا هو الجحيم اليومي الذي يعصف بالفلسطينيين، فقد تخلى العالم عنهم منذ زمن، ولم يُترَك لهم شيء.

رغم ذلك ما زلت أومن بأن غزة ستنتصر يوماً لا ريب، ولكن عندما يكون دعاؤنا مع العمل لتغيير الواقع والتخلص من أحلام اليقظة التي تركتنا كشعوب عربية في آخر الرّكب، لا نملك إرادتنا وقرارنا لدعم إخواننا في غزة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عزيز فيرم
كاتب جزائري
تحميل المزيد