مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية المزمعة في بداية العام القادم 2024، ازداد دعم إدارة بايدن لإسرائيل على كافة المستويات العسكرية والمالية، منذ بدء العدوان الإسرائيلي وارتكاب المجازر المروعة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، وكذلك في الداخل الفلسطيني، حيث وصل إسرائيل أكثر من 200 طائرة أمريكية محمَّلة بمساعدات جمّة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وبذلك تعتبر أمريكا شريكاً مباشراً بالمذابح التي تُرتكب على امتداد الوطن الفلسطيني.
نفوذ اللوبي الصهيوني
يلحظ المتابع أن المساندة الأمريكية لإسرائيل تتجاوز حدود مجموعات اللوبي، وهذا ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، عندما كان سفيراً لإسرائيل في أمريكا، حيث قال: "أعتقد أن ارتباط الشعب الأمريكي وإدارته بإسرائيل يفوق وزن الجالية اليهودية ونفوذها". وقد يكون هذا مدخلاً لمعرفة مستوى نفوذ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد في مواقع القرار، وكذلك حقيقة المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، وآليات عملها لاستمالة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لصالح إسرائيل، في إطار المصالح الأمريكية الشرق أوسطية، وفي حين كان التوجه الصهيوني لبريطانيا قبل عام 1948، فقد أصبح فيما بعد للقطب الأمريكي بعد التاريخ المذكور؛ نظراً للنفوذ والقوة الأمريكية في إطار العلاقات الدولية.
وتجلّى النهج الصهيوني من أجل تحقيق الهدف المذكور في أنماط متعددة، بعضها رئيسي وبعضها فرعي، وأهم هذه الأنماط وأشدها سيطرة على النهج بأكمله هو النمط المرحلي، فالمرحلية هي اللون السائد في لوحة الصهيونية أو النغم السائد في معزوفتها، أو الخيط المتصل في نسيجها، والحديث عن النهج الصهيوني أو البرنامج الصهيوني هو في أصدق معانيه، الحديث عن النمط المرحلي الذي يتخلله بأكمله، ويتجلى في كل لحظة من لحظاته، وفي كل حركة من حركاته، وقوام فكرة المرحلية في نظرية العمل الصهيوني، ترتكز على مبادئ عدة، في المقدمة منها الواقعية، التي تعين الحد الأقصى لما تطالب به الحركة الصهيونية في كل ظرف، طبقاً لأوضاعه وإمكاناته، فضلاً عن المرونة التي تقوم بتكييف الأشكال والوسائل وتعيين الحد الأدنى للمطالب الصهيونية في كل ظرف، والانتقال بعد استنفاد مكاسب ذلك الظرف إلى مرحلة جديدة، تفصح فيها الحركة الصهيونية عن مطالب جديدة، يكون حدها الأدنى ما كان في المرحلة السابقة حداً أقصى ومطلباً كاملاً مدعوماً، وتبعاً لتلك المبادئ يمكن فهم العلاقات الصهيونية مع دول العالم.
تركز يهودي كبير
استفادت الحركة الصهيونية وإسرائيل من وجود غالبية اليهود في العالم في الولايات المتحدة، حيث وصل عددهم خلال العام الحالي 2023 إلى نحو 6 ملايين يهودي، واستطاعت الاستفادة إلى أبعد الحدود من إنشاء لوبي يهودي صهيوني ضاغط في الولايات المتحدة الأمريكية، بالاعتماد على القانون الأمريكي الصادر عام 1946، والذي أعطى الحق للجماعات المختلفة بتشكيل مجموعة ضغط، بهدف ضمان مصالحها من خلال استراتيجيات وتكتيكات متعددة، منها التأثير المباشر، عبر الاتصال بكل من السلطة التنفيذية والتشريعية الأمريكية ومحاولة استمالتها، إضافة إلى التأثير غير المباشر، مثل تعبئة الرأي العام، وخلق اتجاه عام يؤثر على صانعي السياسة، لإقناعهم بقرار يحقق مصلحة مثل هذه الجماعات ونقصد هنا اللوبي اليهودي.
وتبعاً للقانون المذكور استطاعت الجماعات اليهودية، بدعم من الحركة الصهيونية، تشكيل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية "إيباك" عام 1959، وسجلت لدى الدوائر الأمريكية باعتبارها لوبياً صهيونياً.
وتتألف لجنة إيباك من رئيس ومدير تنفيذي، ويقوم مجلس الاتحاد الفيدرالي اليهودي، ومنظمة بناي بريث، بدعم لجنة إيباك لخدمة الحركة الصهيونية وإسرائيل، وذلك من خلال دعم اللوبي اليهودي، وزحف نفوذه في الكونغرس الأمريكي ومواقع القرار الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية. وتحرص لجنة إيباك على أن يحضر ممثلها كل اجتماع مفتوح في الكونغرس الأمريكي، ليوزع البطاقات، ويتصل بكل موظف من أعلاهم درجة إلى أدناهم، أما الاجتماعات المغلقة فيحضرها دائماً عضو من التجمع المؤيد لإسرائيل، ويطالع سجل الكونغرس بانتظام، وكل ملاحظة تدعو إلى القلق تستتبع زيارات من قبل اللجنة.
ما بعد الانتخابات
استطاع اللوبي اليهودي الصهيوني في أمريكا من خلال نشاطه المنظم على كافة المستويات، وخاصةً المالي والإعلامي، محاربة أعضاء الكونغرس الأمريكيين، الذين حاولوا الوقوف إلى جانب الحق العربي في فلسطين، ويتهمون عضو الكونغرس الذي يقف إلى جانب الحق الفلسطيني بمعاداته للسامية، وكذلك بمناهضة إسرائيل، ونجح اللوبي اليهودي في مناسبات عديدة في إبعاد بعض المشرعين الأمريكيين عن زيارة البلدان العربية، بقدر نجاحه في عرض وجهات نظر إسرائيل دون سواها. ؤويستخدم اللوبي اليهودي عبر منظماته العديدة في الولايات المتحدة، المال لاستمالة بعض أعضاء الكونغرس إلى جانب إسرائيل.
وبالنسبة للصوت اليهودي في الانتخابات القادمة 2024، فإن اللوبي الصهيوني سيسخر كل طاقاته لانتخاب مرشح أمريكي -بغض النظر عن حزبه- يراه أكثر انحيازاً لإسرائيل وتوجهاتها العدوانية الفاشية، ويسعى بايدن لذلك عبر حراكه اليومي، وانحيازه الفاضح لحكومة نتنياهو الإرهابية الفاشية، التي ترتكب المجازر ضد الشعب الفلسطيني على مدار الساعة.
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة عام 2024، سواء فاز بايدن أو عاد ترامب، يمكن الجزم بأن العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية الاستراتيجية لم تتغير في اتجاهها العام منذ عام 1967 وحتى اللحظة، وذلك رغم تغير الإدارات الأمريكية والحكومات الإسرائيلية، وقد تميزت تلك العلاقات بخصوصيتها بالمقارنة بعلاقات أمريكا مع الدول الأخرى في العالم، وخلاف ذلك يكون المتابع والمحلل السياسي قد وقع في فخ التوصيف غير الدقيق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.