في ظل نظام دولي عديم الجدوى.. هل يمكن أن تنجح صيغة تركيا في وقف الحرب على غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/04 الساعة 15:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/04 الساعة 15:41 بتوقيت غرينتش
صورة من الحرب على غزة| الاناضول

بعد مرور أسبوعين على بدء تصاعد وتيرة الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي بدأته إسرائيل بنية معلنة تتمثل بالقضاء على المقاومة بعد الهجوم المباغت الذي نفذته كتائبها على مستوطنات غلاف غزة، التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بنظيره المصري في مؤتمر السلام بالقاهرة في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأعلن عن اقتراح تركيا لـ"صيغة ضمان" من شأنها أن تساهم في حل الوضع الراهن في قطاع غزة وتساعد على إيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية.

تسعى هذه المبادرة إلى إنهاء الكوارث الإنسانية الجسيمة التي نتجت عن الهجمات العسكرية الإسرائيلية الواسعة ضد المدنيين والتي لا تزال قائمة على قطاع غزة، ولعل قلة العروض والمبادرات المطروحة من أجل إيجاد حل شامل للوضع الحالي أدت إلى لفت الانتباه للعرض التركي.


نظام الضمان كمفهوم سياسي

يعمل القانون الدولي على تنظيم حقوق وواجبات الدول تجاه بعضها البعض، لكن المشكلة فيه أن هذه الدول نفسها هي التي وضعت بنوده، وهي أيضاً المسؤولة عن تطبيق هذه البنود، الأمر الذي يعني عدم وجود نظام عالمي فوق هذه الدول يراقب تصرفاتها ويضمن التزامها بتطبيق القانون.

جاء نظام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كمحاولة لتحقيق نوع من الرقابة الدولية لتنفيذ القواعد المتعلقة بحفظ السلام الدولي. ومع ذلك، لم يكن هذا النظام قادراً على العمل بشكل فعّال، وأصبح عملياً عديم الجدوى في ظل التحولات السياسية الدولية الحالية، وهو ما أدى إلى خلق حالة من الفوضى والتمرد الدولي واعتماد القوة كوسيلة وحيدة وفعالة في حل الصراعات القائمة.

في ظل غياب ضابط فعلي لتصرفات الدول، جاء نظام الضمان كنموذج فعال لضمان تنفيذ بنود القانون الدولي على مر العصور، عن طريق أن تلتزم كل مجموعة من الدول الضامنة بضمان طرف من أطراف الصراع واستخدام وسائلها للحفاظ على الوضع الراهن في منطقة التوتر أو أن تحاول فرض واقع جديد في تلك المنطقة من شأنه أن يصب في المصلحة الدولية العامة.

استخُدِم نظام الضمان مرات عديدة كوسيلة لحل النزاعات القائمة، كمعاهدة الضمان التي جرت بين قبرص واليونان وتركيا والمملكة المتحدة في 1960 والتي ضمنت استقلال قبرص وسلامتها بشرط تعهد الجمهورية القبرصية بعدم الارتباط الكلي أو الجزئي مع أي دولة أخرى سياسياً كان ذلك أم اقتصادياً.

ما الذي تضمه صيغة الضمانة التركية؟

أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء خطابه في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أن أنقرة ترى اقتراح صيغة الضمانة التي قدمتها كأسلوب عملي وفعّال على الأقل في المديين القصير والمتوسط لحل القضية الفلسطينية، وأعرب عن استعداد تركيا لتكون واحدة من ضامني الجانب الفلسطيني عن طريق التواجد "الإنساني والسياسي والعسكري" في فلسطين.

قدمت تركيا مقترحها لتفتح باب النقاش أمام الخبراء والدول الأخرى حول إمكانية تنفيذه، وتحديد النهج المتبع تجاهه، وهو ما أوضحه وزير الخارجية التركية هاكان فيدان في اجتماع اللجنة التنفيذية المفتوح العضوية لمنظمة التعاون الإسلامي في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

استعدت موسكو في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تقييم الصيغة التركية، كما جاء على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف حين قال: "يبدو لي أن مبادرة تركيا تنبع من الرغبة في تحقيق هذا التوازن، وسنكون مستعدين للتعاون لتقييم ذلك".

بينما أشار كبير مستشاري وزير الخارجية التركي ورئيس مركز البحوث الاستراتيجية في الوزارة نوح يلماز، إلى أن الصراع بين إسرائيل وفلسطين يلحق ضرراً بأمن المنطقة ومصالح تركيا، وقال إن "نظام الضمان يمكن أن يشجع الدول الإقليمية على مساعدة دولة فلسطين على تأسيس نفسها كدولة حقيقية وملموسة، كما يسمح للدول الضامنة لإسرائيل بالضغط عليها فيما يصب في مصلحة أمن واستقرار المنطقة".

أوضح يلماز أن تركيا قررت التعامل مع الأزمة "بشكل هيكلي بدلاً من البدء من الصفر" على حد قوله، وأضاف: "عندما ننظر إلى طبيعة النزاع، نجد أن الجميع متفق على قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، عندما نسأل الإسرائيليين، يقولون (نعم)، وعندما نسأل الفلسطينيين، يقولون (نعم)، كانت حركة حماس هي الجهة الوحيدة التي رفضت قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، ولكن في عام 2017، قالوا (نعم) أيضاً. إذاً نحن جميعاً متفقون على هذا الموضوع، ولكن يجب علينا التفكير في الطريقة الصحيحة لتطبيق هذا الاتفاق". 

في الواقع يرى بعض المحللين أن جميع محاولات التقارب الفلسطيني الإسرائيلي القائمة على أساس سياسي أو عسكري أمني باءت بالفشل، وهو ما أرهق الفلسطينيين على مدى سنوات طويلة دون الوصول لنتيجة ملموسة توفر لهم حياة أكثر أماناً.

لذلك ربما يأتي مقترح الضمان التركي ليمهد الطريق أمام جانبي الصراع للاتفاق دون أن يكونا على اتصال مباشر مع بعضهما البعض، نظراً إلى أنه لا يوجد أي شعور بالثقة، بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين، فربما يمكن لجهة فاعلة ثالثة أن تكون مرجعية وتتصرف بشكل محايد وتساهم على الأقل في جعل القضية قابلة للإدارة والتنفيذ.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للضمانة أن تحمي الفلسطينيين من التدخلات الإسرائيلية أحادية الجانب، مع توفير الطرف الشرعي لمخاطبة إسرائيل، وفي هذا السياق، يمكن لدولة يثق بها الاحتلال والفلسطينيون وطرف محايد آخر أن تنشئ آلية في مجالات معينة مثل الأمن والمساعدات الإنسانية والحل السياسي ومنع الصراعات كدولة ضامنة.

إذ ترجع المشكلة الرئيسية المتعلقة بالضمانات إلى الوضع السياسي والانقسامات والنوايا عند الاحتلال، وليس إلى قدرة تركيا على قيادة المقترح من عدمها، مشيراً إلى أن الوجود التركي في فلسطين قد لا يكون مغرياً لنتنياهو وقادة اليمين المتطرف الإسرائيلي، مؤكداً مسألة أننا لن نشهد تغييراً حقيقياً وملموساً مع وجود الحكومة الإسرائيلية الحالية، كما أن الانقسام السياسي الفلسطيني وحقيقة أن الأجنحة العسكرية تعمل بشكل مستقل عن القادة السياسيين، هو ما سيجعل العملية أصعب.

ربما يظهر عرض الضمانة التركية كالأكثر منطقية وفاعلية في الوقت الراهن. لكن إذا نظرنا لأرض الواقع قد تواجه هذه المبادرة العديد من التحديات السياسية والإجرائية، أولها الحاجة لوجود موافقة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وفي حين يبدو قبول الطرف الفلسطيني ممكناً، يستبعد أن تقبل إسرائيل به، إذ يتعارض مع مساعي الحكومة اليمينية الحالية في التوسع وقضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية.

لذا فهو من المبكر جداً الحديث عن تواجد قوات حفظ سلام تركية داخل قطاع غزة، لأن هذا الأمر يتطلب مصادقة منظمة دولية أو إقليمية ذات تجربة لإضفاء طابع من الشرعية عليه، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي بالنسبة لمجلس الأمن، كما أن المنظمات الأخرى مثل منظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، والتي قد تكون بديلاً لإصدار مثل تفويض كهذا ليس لديها الخبرة السابقة، كما أنها لا تضم إسرائيل في عضويتها. وبالتالي فإن استصدار تفويض دولي أو إقليمي لنموذج الضمان المقترح من قبل تركيا يبدو غير ممكن على المدى القريب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زيد إبراهيم
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد