لقد كانت لحظة خروج الأسيرات من معتقل الدامون هي اللحظة الإنسانية الأكثر تأثيراً، وهي الحرية المستردَّة بالقوة في هذه الحرب. ولتكن الحرب ثمناً لتلك الحرية. ولحظة الإفراج عن الأسيرات الفلسطينيات هي ذات اللحظة التي وصف فيها العقاد مشاعره في مقاله "يوم الإفراج"، بعدما أنشد على قبر سعد زغلول: وكنت جنين السجن تسعة أشهر، وهأنذا في ساحة الخُلد أولد.
فليكن يوم خروج الأسرى الفلسطينيين من معتقلات الاحتلال يوماً للحرية والكرامة والنضال، ويوم الدفاع عن الوطن ويوم النشور.
أيام الهدنة الإنسانية انقلبت حسرة على نتنياهو، واتضح الفرق بين الخير والشر وبين صورة الإنسان المتوحش والبربرية الموجودة داخل نفوس جنود الاحتلال، وبين المناضل الشريف والإنسان المتحضّر، الذي رأيناه في أخلاق جنود كتائب القسام. والإنسان المتحضر هو الذي اطلعنا عليه أثناء تسليم حماس الأطفال والنساء الإسرائيليات للصليب الأحمر، ولحظة الوداع بين كتائب القسام والأسرى الإسرائيليين تكشف عن سماحة الإنسان المتحضر الذي تعامل معه الأطفال والنساء الإسرائيليات.
بينما الإنسان المتوحش والبربرية يمكن ملاحظتها من تصريحات الأسيرات الفلسطينيات للجزيرة، واتفاق أقوالهن على التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والضرب والتنكيل والقسوة التي مارسها ضدهن جنود الاحتلال. ومن يتأمل التهم المزعومة للأسيرات والعقوبة المبالغ فيها لن يستبعد أساليب التعذيب والإيذاء الجسدي والنفسي الذي تعامل به الاحتلال مع الأسيرات الفلسطينيات، والسجن وحده متهالك ومصمَّم لتدميرهن والقسوة عليهن ومعابقتهن بشكل جماعي، وهذا الأمر يتقنه الاحتلال.
إدارة بايدن اجتهدت في بداية هذه الصفقة وطموح الإدارة النجاح في إطلاق آخر أسير إسرائيلي. لذا قطر هي الضامن الحقيقي لهذا الطموح الكبير. واليوم هو اليوم الرابع، ومن المنتظر تبادل قائمة جديدة من الأسرى بين الطرفين، وهناك احتمال لتمديد أيام الهدنة، وكما تم الإعلان عنه سابقاً فقد تتمدد الهدنة لستة أيام جديدة. وغالانت يواصل التأكيد على استئناف الحرب بعد انتهاء الهدنة المؤقتة ونتنياهو يتوافق معه في هذا الرأي، ويبقى الرهان الحقيقي قائماً على أهداف الحرب غير الواقعية.
حتى قبل سريان الهدنة بساعات، لم يستطع جيش الاحتلال تحرير أسير واحد. وهذا ما دفعهم للتفاوض وقبول الصفقة والهدنة الإنسانية، لذا من المستحيل أخذ طموحات غالانت المغالية والمثالية للقضاء على حماس، فهذا الهدف شبه مستبعد، ولا يوافق على تحقيقه مجلس الحرب للاحتلال الإسرائيلي. وهنا تظهر هذه الصفقة والهدنة الإنسانية كحل غير نهائي لهذا الوحل الذي يغرق فيه نتنياهو وجنوده، وهذا الوحل هو الذي سيقوده إلى نهاية مستقبله السياسي وبعده السجن ومحاسبته على فشله.
بايدن أيضاً شريك نتنياهو في هذه الحرب، والوحل مشترك بينهما، والأصوات المعارضة لهذه الحرب باتت تشكل موقفاً معارضاً في إدارته التي لم تحسن إدارة هذه الحرب، أو حتى تشكيل سياسة محايدة. وعلى النقيض من ذلك شاهدنا الهرم بايدن يحلق بطائرته من واشنطن مسرعاً إلى تل أبيب التي أدخلته في هذه الحرب ولم تطلعه على أي من تفاصيلها وما زالت فضيحة رؤوس الأطفال تكذّبها تعاملات حماس مع الأسرى الإسرائيليين والتحقيق الأخير الخاص بجريدة هآرتس غيّر السردية كلها.
إسرائيل ذاتها تراجعت عن سرديتها، وقلصت ضحايا السابع من أكتوبر، فعلت كل ذلك وبايدن ما زال يواصل هذيانه السياسي. ونشاهده في صفقة تبادل الأسرى بقلب الراهب، وليس بقلب الرجل السياسي، وهذا ما دفع به إلى التركيز على حل هذا الملف. الرجل يعيش في أوهام وخيالات بعيدة عن الواقع، ونتيجة لهذا التشتت لا يكاد بايدن يفهم حقيقة ما يدور في هذه الحرب. فهو يعمل بجهد من أجل إطلاق 200 إسرائيلي، بينما يتغافل عن مجازر الاحتلال الإسرائيلي في غزة 15 ألف شهيد، جلهم من الأطفال والنساء، هذا الرقم لا يشكل أي خوف ولا يجعل بايدن يتخذ سياسة رصينة وموقفاً سليماً من هذه الحرب المخيفة.
ومع الهدوء في جبهة الشمال وتوقف صواريخ حزب الله عن الهجوم. يتسلل جيش الاحتلال إلى الضفة الغربية ويكمل عمليات الاقتحام والقتل ومطاردة الأطفال والقبض عليهم، وتواصل عصابات بن غفير والمستوطنين معه التهجم على الفلسطينيين، ولا يتوقف التطرف عند بن غفير لهذا الحد، بل يصدر أوامره ويحرض على جماهير الفلسطينيين المتعاطفين مع خروج الأسرى والأسيرات، وعقدة الخوف هي التي تفرض هذا التوجس والتنكيل والانتقام من الشعب الفلسطيني بعد إخفاق جيش الاحتلال وحكومته في تحقيق نتائج حقيقية في غزة، وتبادل الأسرى كان حبل المشنقة الذي ربطه نتنياهو على رقبة بن غفير.
جميع الاحتمالات واردة. وبغضّ النظر عن تمديد الهدنة، فإن حماس أعادت تمركزها في الشمال، وبثت الروح في مقاتليها، وأعادت روح النضال إلى الشعب الفلسطيني، وبثت السعادة في قلوبهم، وتبادل الأسرى كان كيوم صباح عملية طوفان الأقصى الذي نزل صباحه على قلوبنا بالسعادة والفرح. خروج الأسيرات من معتقلات الاحتلال هو يوم الحرية الذي تناضل من أجله الفصائل الفلسطينية. وهذا اليوم هو يوم الحرية التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالقوة والمقاومة وبث الرعب في قلوب الأعداء. فدعونا نحتفل بحرية إسراء جعابيص وتحريرها، واسمحوا لنا أن نحتفي باليوم الذي أشرقت فيه شمس الحرية على شروق دويات. وكذلك سعدنا بخروج ميسون الجبالي من معتقلات الاحتلال التي حبستها وسلبت حريتها. ويوم خروج مرح بكير هو يوم العدالة والحرية. خروج الأسيرات في يوم الحرية هو الذي أعاد روح المجد للشعب الفلسطيني المقاوم وبهجة الفتيان الذين قبعوا ظلماً وعدواناً في سجون ومعتقلات الاحتلال التي سلبت منهم حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم. هذا هو يوم الحرية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.