أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مؤتمراته الصحفية منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، على استمرار سياسات الاغتيالات من دعوته للموساد ملاحقة قادة وكوادر حركة حماس في كل مكان وقتلهم، وقد نفذت إسرائيل وأذرعها الأمنية عشرات عمليات الاغتيال التي طالت كوادر في فصائل المقاومة الفلسطينية وأصحاب الكلمة من كتّاب ومفكرين وأدباء وسفراء.
منهج وممارسة
رغم مرور أكثر من خمسة وسبعين عاماً على إنشاء إسرائيل، تثبت السياسات الإسرائيلية اليومية أن الاغتيالات أصبحت فكراً ومنهجاً منظماً لدى قادة الدولة المارقة إسرائيل، وحكوماتها المتعاقبة. فبعد عام 1948 أصبحت الاغتيالات سياسة راسخة عند قادة إسرائيل، لا سيما أنهم شاركوا بالعديد من الاغتيالات، وعلى رأس هؤلاء بعض الشخصيات التي تبوأت منصب رئيس وزراء إسرائيل من قبيل إسحاق شامير، وإسحاق رابين وأرييل شارون، وشمعون بيريز، ومناحيم بيغن، حيث انضووا في إطار العصابات الصهيونية، الهاغاناه، والشتيرن والأرغون وغيرها من العصابات الصهيونية.
وقد يكون من أهم أعمالهم قبل عام 1948 التفجيرات في الأسواق العربية، في حيفا ويافا والقدس، وتوجت أعمالهم في اغتيال الوسيط الدولي الكونت برنادوت في القدس في 17 سبتمبر/أيلول 1948 بسبب صياغته تقريراً للأمين العام للأمم المتحدة يدين إسرائيل ويحملها تبعات النكبة الكبرى في عام 1948. ولم تتوقف سياسة الاغتيالات الإسرائيلية، حيث حفل تاريخ الدولة المارقة إسرائيل منذ نشأتها في مايو/أيار 1948 بملاحقة بعض الشخصيات العربية والفلسطينية التي تعتبرها مناهضة لسياساتها واغتيالها حتى في بعض دول أوروبا وأمريكا وليس في العواصم العربية مثل تونس وبيروت فحسب، وأصبحت الاغتيالات نهجاً إسرائيليا ثابتاً تبنته كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948.
نماذج معينة
في هذا السياق أكدت تانيا راينهارت، أستاذة اللسانيات في جامعة تل أبيب في كتابها المترجم في دار الفكر في دمشق قبل عقدين من الزمن، أن سياسة الاغتيال السياسي ليست جديدة في إسرائيل، لقد استخدمتها داخل الأراضي المحتلة وخارجها منذ زمن طويل، بما في ذلك أثناء السنوات التي تلت اتفاقات أوسلو الموقعة في عام 1993 وحتى اللحظة الراهنة 2023؛ وترى إسرائيل أنها تحقق هدفاً جوهرياً من عمليات الاغتيال، يتمثل بخلق ظروف تحفز إسرائيل على استئناف عملياتها العسكرية وتسرع دائرة العنف بعد مرور فترة وجيزة من الهدوء مع الفلسطينيين. واللافت أن أخطر قرار في مباركة وقوننة عمليات الاغتيال الإسرائيلية كان صدر عن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر في 3 يوليو/تموز 2001، حيث أشار إلى مواصلة سياسة الاغتيالات والتصفيات ضد النشطين الفلسطينيين، وذهب المجلس المذكور إلى أبعد من ذلك حيث أكد في الأول من أغسطس/آب 2001 أنه قرر اتباع السياسة المذكورة، ليس هناك أحد من الفلسطينيين محصناً أمام الاغتيال. وقد استطاعت إسرائيل اغتيال عديد من القادة الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، وفي مقدمتهم أبو جهاد الوزير، وأبو علي مصطفى والشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي والقائمة تطول، ولن تتوقف عمليات الاغتيالات؛ حيث طالت خلال الأونة الأخيرة كوادر فلسطينية في مدن ومخيمات الضفة الغربية، وبعد تصريحات نتنياهو سنشهد محاولات إسرائيلية لملاحقة ومحاولة اغتيال قادة وكوادر من حركة حماس في الدول العربية.
الاغتيال إرهاب منظم
من نافلة القول أن إسرائيل أدارت ظهرها لكل قرارات الشرعية الدولية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين اغتالت الشرعية الدولية نفسها عند اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين الكونت برنادوت في القدس في سبتمبر/أيلول 1948، أي بعد إنشاء إسرائيل بأربعة أشهر فقط؛ وتعتبر عملية اغتياله، اغتيالاً للحقيقة؛ حيث سعى إلى إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة فيها توصيف دقيق للممارسات الصهيونية وعمليات الطرد التي طالت آلاف العرب من قراهم ومدنهم في أنحاء فلسطين.
ولم تتوقف عمليات الاغتيال الإسرائيلية منذ عام 1948، بيد أنها كانت تظهر كضرورة وسياسة إسرائيلية في أوقات محددة مسبقاً. ولهذا تعتبر عمليات الاغتيال الإسرائيلية دالة على الإرهاب المنظم من قبل الدولة المارقة إسرائيل، ولهذا باتت الضرورة تتطلب جهوداً فلسطينية ومناصرين للقضية الفلسطينية العادلة لفضح سياسات الاغتيال الإسرائيلية للفلسطينيين، وسحب مجرمي الحرب الإسرائيليين الى العدالة الدولية، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي الإرهابي نتنياهو، بعد تأكيده على استمرار عمليات الاغتيال للقادة الفلسطينيين في كل مكان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.