طائر "الفينيق" هو طائر العنقاء. اتخذته غزة شعاراً لها، وقد تحدثت عنه الأساطير بأنه نزل من السماء واختار نخلة شاهقة العلو، بنى فيها عـشاً. ولما رأى عذابات الناس، لم يغادر الطائر عشَّه، حتى احترق، وتحوَّل إلى رماد.
لكن نهايته لم تكن الفناء، بل خرجت من تحت الرماد بيضة، وخرج منها جناحان وعاد "الفينيق" حيّاً من جديد، فصار طائر "الفينيق" رمزاً للخلود، والمحبة والأمل.
يحيا من الرماد، يَشْفي بدمعه الأمراض، ويترك بمروره رائحة العنبر.
وقد قالوا في العنقاء:
أَيْقَنْتُ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ ثَلاَثَةٌ
الْغُولُ وَالْعَنْقَاءُ وَالْخِلُّ الْوَفِي
وكل هاته أساطير تستلهمها الشعوب في التَجَدُّد والتَّحَدي والقوة، وكيف يمكن لأي شعب أن ينهض من رماد النيران، ويعاود دورته ليصنع الحياة من جديد.
إلا أن شعب غزة اليوم، لا يحكي عن الأساطير، ولكن أبناءه هم من يصنعون الأساطير.
يُجدِّدون حياتهم من تحت الرُّكام، وينهض أطفالهم من رماد النيران، يُشْعِلون الجذوة من جديد، ويخرج أبطالهم من الأنفاق ليعيدوا للأمة أملاً جديداً.
إنهم يصنعون الأساطير، كأننا في مشهد من مشاهد الخيال العلمي، والحروب الافتراضية لـ"أنجل هاز فولين"، مثل طائرات مسلحة دون طيار، لكن الطائرة هنا، هي جندي القسام، ينزل خلف خطوط العدو، وأمام "الروبوتات القاتلة"، هي جندي المقاومة الذي يقترب من الدبابة، ويضع فيها العبوة الناسفة، من مسافة صفر، عبر عنها المعلقون:
فقال أحمد غالب: "فَتِّشْ في جيوش العالم من أعلى الرتب إلى أدناها، إن وجدت مثل هاته البسالة والشجاعة والتضحية في الميدان، أمام الميركافا فخر صناعة الكيان الهش".
أما مريم فقالت: "هذه ليست مسافة (0) وإنما هذه من مسافة (-5). هذه الشجاعة لا يقدر عليها إلا الروبوت ولا تراها إلا في أفلام الخيال العلمي.
حدَّثني والدي عن جدي كيف كان يصف له الثوار، وأنهم ملائكة يطيرون، وبأجنحتهم يضربون، وبمناقيرهم يقتلون".
لم يكن يصدق الناس آنذاك أن فرنسا ستخرج وأن الجزائر ستتحرر، ولا ثوار من البشر بأسلحتهم البسيطة سيهزمون الحلف الأطلسي، إلا أن يكون هؤلاء الثوار ملائكة من السماء، ويرمون الفرنسيين بالحصى فيجعلونهم كعصف مأكول.
إن أبناء غزة اليوم يُبْعثون في كل ساعة، ينفخون الرُّوح في الأمة، يُعيدون بَعْثها من جديد، ويحررون البشرية، وينشرون القيم الإنسانية. أما كلمة "Phoenix" فهي يونانية الأصل وتعني "النخلة".
والنخلة هي الشجرة الواقفة دوماً، تُحرك الرِّياح أغصانها ولا تَحْني ظهرها، وإن هرمت وأسقطت العواصف أغصانها، فسيبقى جذعها واقفاً شامخاً، شاهداً على التاريخ والمكان.
ولقد خلد "محمود درويش" هذا المعنى في أغنية "سميح شقير" الشهيرة:
"إن عشت فعش عش حراً.. أو مت كالأشجار وقوفاً..
وقوفاً.. وقوفاً.. وقوفاً.. وقوفاً كالأشجار.
وارمِ حجراً في الماء الساكن تندلع الأنهار.
واقرع أجراسك في مملكة الصمت.
وغنِّ.. غنِّ.. غنِّ نشيداً.
وليتحطم جدار الصمت نثاراً كالفخار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.