يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولأول مرة في تاريخ النضال ضد الاحتلال، تقتحم المقاومة الفلسطينية مستوطنات غلاف غزة براً وبحراً وجواً لتحريرها.
هذا اليوم بدأ منعطف جديد في مسار تاريخ فلسطين المحتلة، فقد أثبتت المقاومة أنها متمسكة بأرضها وبهدفها، وزرعت الأمل في الكثير ممن تغلّب اليأس عليهم، من جهة أخرى شكّل هذا اليوم منعطفاً أيضاً في تاريخ المحتل الذي أثبت أنه لا يستطيع حماية نفسه، رغم حجم القوات والعتاد الذي يمتلكه، والدعم الذي يتمتع به من جميع الدول.
فقد نجحت المقاومة في الحفاظ على سرية العملية، أمام أعينهم وأجهزتهم، فرغم زعمهم امتلاك أقوى جهاز استخباراتي في العالم، وما يروجون له من شائعات أنهم يسمعون دبيب النملة في غزة، إلا أن المقاومة، وبالحصار المفروض على كامل غزة منذ 17 سنة وكأنهم في سجن، استطاعت أن تخطط لعملية ضخمة وتنجح في تنفيذها.
لا منطقية ولا إنسانية الإعلام الغربي
لأول مرة منذ عام 1973 أعلنت إسرائيل الحرب، وبدأت بالدعاية وجندت أجهزتها الإعلامية الداخلية والخارجية، وبدأت بترويج الأكاذيب التي كان أولها أن المقاومة قتلت 40 طفلاً، هي نفسها الكذبة التي نشرتها CNN واعتذرت بعدها عندما تأكدت أن الخبر كاذب ولا صحة له، وكذلك كذّب البيت الأبيض هذا الخبر، فور إعلانه من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن.
ما يقوم به الإعلام الإسرائيلي والغربي في غاية الخطورة، وهو ما يصح وصفه حقاً بالعمل "الإرهابي"، حيث يروجون للعنف ويحرضون على القتل والكراهية، وهذا ما تجسّد في حادثة طعن طفل صغير وأمه من قبل أمريكي في عقده السابع أدت لوفاة الطفل فلسطيني في مدينة شيكاغو الأمريكية، بحجة أنه ينتقم للإسرائيليين.
ومنذ بداية العملية حاول الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه عن طريق ماكينة الإعلام الغربية تسويق المقاومة على أنها إرهابية تمهيداً لضرب غزة وارتكاب الجرائم بها تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، حتى إن وزير الدفاع يوآف غالانت وصف سكان غزة بأنهم حيوانات بشرية.
بينما خرج وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير بعد أن قصف الاحتلال المستشفى المعمداني التي راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد، ليقول بأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يدخل إلى غزة هو مئات الأطنان من المتفجرات التي تلقيها القوات الجوية، وليست المساعدات الإنسانية، وقد طلب الاحتلال الإسرائيلي إخلاء المستشفى المعمداني في غزة لأنه سوف يتم قصفه، دون أي خوف من الرأي العام الدولي أو من محكمة العدل الدولية، ما يعني أنهم يستهدفون المدنيين، وليستشهد من يستشهد، ومن بقي من جرحى في المستشفى يتم استهدافهم أيضاً، فلا صوت يعلو فوق صوت المذبحة، أي خرق لحقوق الإنسان هذا الذي يقوم به المحتل الإسرائيلي!
المجازر التي ترتكبها إسرائيل في حق المدنيين، لم تشهد مثلها أي دولة في أي حرب، فقد تسبب العدوان الإسرائيلي المستمر لليوم الرابع والعشرين على قطاع غزة في سقوط 10 آلاف شهيد ومفقود تحت الأنقاض، كل هذا الإجرام من قصف وارتكاب لمجازر واستخدام لأسلحة محرمة دولياً كالفسفور الأبيض، وما زالت بعض وسائل الإعلام الغربية تحاول أن تساند الاحتلال وتبرر له هذه المجازر التي أكثر من 70% ضحاياها من الأطفال والنساء.
هذا بالإضافة إلى أن القصف الإسرائيلي المستمر على غزة أدى إلى تدمير أحياء سكنية بكاملها، إذ قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، اليوم الإثنين، إن إسرائيل أسقطت ما يوازي ربع قنبلة نووية على قطاع غزة.
ضمائر حيّة بمواجهة المواقف الرسمية المنحازة لإسرائيل
في مقابل الصمت الدولي بجميع مؤسساته والانحياز الإعلامي الغربي، تزين أبراج العواصم العربية بعلم فلسطين، فيما شهدت عدة عواصم ومدن إسلامية وعالمية، مظاهرات حاشدة، تأييداً للشعب الفلسطيني ودعماً لعملية "طوفان الأقصى"، مطالبين بوقف مجازر الاحتلال وإنهاء الحصار المطبق على القطاع وإدخال المساعدات الإنسانية.
حتى اليهود الرافضون للصهيونية، على غرار حركة "ناطوري كارتا"، الذين يعلمون أن إسرائيل تلعب دور الضحية بينما هي التي تمارس التهجير القسري والتطهير العرقي والقتل العمدي على الأبرياء، بحجة أنهم يدافعون عن أنفسهم من الإرهاب.
فأعرب عدد كبير من اليهود الأمريكان عن استيائهم لاستخدام إسرائيل ذريعة "اليهود دائماً هم ضحايا"، فنفذت مجموعة من اليهود المؤيدين للسلام، الأسبوع الماضي، اعتصامات في غرف لأعضاء في الكونغرس الأمريكي بالعاصمة واشنطن للمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، رافضين عدوان الاحتلال الإسرائيلي البربري على الشعب الفلسطيني في غزة، الذي يشكل نسبة الأطفال أكثر من 50% فيهم، أي ما يقارب 1.3 مليون طفل في غزة يتعرضون للقتل يومياً منذ أسابيع، ناهيك عن قطع الماء والكهرباء والدواء والغذاء.
أمة لا تنهزم.. "تحريرها كلها ممكن"
المستعمر القديم يدعم المستعمر الحالي، يتبادر للحكومات الغربية والأمريكية، أن استخدام سياسة الحديد والنار، والإبادة، سينقص من استمرار عزيمة الشعب في النضال، هذا المعتقد تكوّن لديهم من النموذج الياباني، في اليابان عندما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية قوة السلاح النووي بعد الحرب العالمية الثانية، فتحولت اليابان من عدو لدود إلى حليف مطيع لواشنطن، لكن ما يغيب هنا عن الأدارة الأمريكية أن هذا المعتقد لا يمكن أن يتحقق مع أمتنا الاسلامية؛ فعند النظر لدول خاضت تجارب في الاحتلال، مثلاً الجزائر في حربها ضد فرنسا، وأفغانستان في حربها ضد أمريكا، فكلما زاد عدد الضحايا زادت العزيمة في الجهاد والنضال، وزادت الحاجة للاستقلال والتحرير.
بدأت المقاومة عملية التحرير من غلاف غزة، فاستهدفت المستوطنات الموجودة في الغلاف، أهمها عسقلان وسديروت من خلال عمليات نوعية وقصف بمختلف الأسلحة.
ومن أجل تحريرها كلها على كل الأطراف الفلسطينية تم الاشتباك مع العدو وإرباكه بكل الطرق، في الضفة الغربية، وفي الداخل المحتل. يجب أن يلتحم الفلسطينيون رغم الجغرافيا، ليؤكدوا على تأسيس وعي جديد ينحاز لهم، مؤكدين شكوك ومخاوف الاحتلال، لذا يجب إكمال ما بدأه أبطال غزة، وتحريرها كلها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.