خلال ساعات فقط ارتكبت قوات الاحتلال 47 مجزرة خلّفت 704 شهداء؛ ليرتفع شهداء غزة إلى 5800 شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء. هذه الإحصائيات المرعبة تدفعنا بوصفنا من جنس البشر إلى التساؤل: هل نقف مكتوفي الأيدي إزاء الإبادة الجماعية في غزة؟ وما واجبنا الأخلاقي والديني تجاه أبناء الشعب الفلسطيني المقاوم في القطاع وخارجه؟
تخوض إسرائيل إلى جانب عملية الإبادة الجماعية والعرقية للشعب الفلسطيني، حرباً نفسيةً موازية في سبيل إظهار نفسها على أنها مظلومة وبأنها تدافع عن نفسها. ولذلك، وفي مساعيهم إلى إعادة مفهوم الحروب الصليبية وجذب الرأي العالمي، فهم إلى جانب الحكومات الغربية يقومون بحملات وتحركات ممنهجة لإظهار أنّ ما يتعرضون له ليس بسبب الجرائم والحصار والقتل والتشريد الذي مارسوه ضد الفلسطينيين على مدار 75 عاماً، بل هو لمجرد أنهم يهود.
انتشرت العديد من مقاطع الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي تظهر مجموعة من الفتيات الإسرائيليات يبكين أمام مسؤول في جامعة أمريكية ويطالبنه بفض المظاهرة التي نظمها الداعمون لفلسطين في الجامعة.
إنّ هذا المشهد يظهر آلية واستراتيجية إسرائيل في حربها الناعمة ضد القضية الفلسطينية، وإن كنا نعتقد أنّ الغرب القاتل والداعم الأول لجرائم إسرائيل هو أيضاً يوفر الأرضية المناسبة للعدو لنشر البروباغندا الإسرائيلية، إلا أننا نعتقد أنّ كل عربي ومسلم مكلف من الناحية الأخلاقية والإسلامية بأن يكون منبراً إعلامياً للمحاصرين والمهجرين من قطاع غزة وفلسطين.
لقد انتفض العالم الإسلامي في جميع مدنه نصرة لقطاع غزة ورفضاً للجرائم الإسرائيلية، ولعلنا نبدأ من مهد النخوة والعروبة الأردن. غصت شوارع الأردن بالمتظاهرين الذين رفعوا الأعلام الفلسطينية، كما توجّه العديد من الشبان إلى الحدود الأردنية الفلسطينية وطالبوا بفتح الحدود لمناصرة أهلهم في فلسطين.
وتونس الحبيبة خرجت حشودها بعشرات الآلاف دعماً للحقوق المشروعة التي يدافع عنها الفلسطينيون في غزة. وكذلك يجب الإشارة إلى المظاهرات التي خرجت في العراق والبحرين وعُمان واليمن وإيران وباكستان والهند.
وأما عن الجاليات العربية والمسلمة في الدول الغربية، فقد أظهرت انتماءها الحقيقي للشعوب المظلومة حول العالم، هذا الانتماء الذي يبنى على قواعد الإسلام والهوية العربية والمسلمة. في إسبانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا والنمسا والولايات المتحدة والعديد من الدول، خرجت الحشود تدافع عن حق الفلسطينيين المشروع بالحياة.
إن حصر تفسير الآية القرآنية الكريمة التي تقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، على القوة العسكرية هو أمر خطأ، فالقرآن استخدم مصطلح قوة بصورة عامة، وهو يشير إلى أن القوة تتضمن القوة العسكرية والإعلامية والقوة الناعمة وجمع تأييد الرأي العام العالمي، والقوة أيضاً هي ممارسة الضغط على الحكومات العربية والمسلمة التي لا يوازي موقفها موقف شعوبها البطولي. إن القرآن ميّز وبكل وضوح بين استراتيجيتنا القائمة على القوة والتمكن والاعتماد على الله وبين استراتيجيتهم القائمة على الذل والبكاء واستجداء الرحمة!
إن الخروج في مظاهرات لدعم القضية الفلسطينية وقطاع غزة هو أمر مرغوب ولكنه ليس بكافٍ، إذ يجب على كل الأحرار الاعتصام في الساحات وبناء الخيم على الحدود لممارسة أقصى قدر ممكن من الضغط على الحكومات الغربية المنافقة وعلى حكوماتنا العربية المتخاذلة.
كما أن مهمة الجاليات في الغرب، سواء في الاتحاد الأوروبي أم الولايات المتحدة أم أي مكان في العالم، هو الضغط على الحكومات المحلية لتغيير موقفها المخجل من جرائم الحرب التي تُرتكب في غزة. إنّ نموذج الجالية العربية والمسلمة في فرنسا هو نموذج ناجح للغاية وينبغي استنساخه في كل الدول الغربية.
هذا النموذج قائم على مبدأ أنه كلما منعت الحكومة الفرنسية التضامن مع فلسطين أو حظرت التجمعات المؤيدة لقطاع غزة، يخرج عشرات الآلاف في تظاهرات عارمة تحدياً لهذه الحكومات الفاشية. وهذا بالضبط ما فعلوه بعد المجزرة المروعة في مستشفى المعمداني.
أعزائي المغتربون في الخارج، إن أقصى ما قد تتعرض له عند مخالفتك للقرارات النازية والإرهابية الصادرة عن هذه الحكومات هو دفع غرامة مالية بسيطة أو الاحتجاز لساعات، ولكن عليك أن تتذكر أن من تدافع عنهم في قطاع غزة يتعرضون لعملية قتل جماعي وعملية إبادة عرقية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
في الختام عليّ التذكير بأن شعب غزة ليس بحاجة لنا بقدر ما نحن بحاجة إليهم، إنهم يدافعون عن أعراضنا وأرضنا وديننا، أطفالهم ونساؤهم يدافعون عن هويتنا العربية والمسلمة، ولذلك فأقل ما يمكن أن نفعله لنصرتهم هو الاعتصام في الساحات وعلى الحدود، والضغط على حكوماتنا لفتح الحدود لوقف هذه الجرائم، إن نصرتنا لشعب غزة المحاصر وظيفة أخلاقية ودينية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.