كما اعتاد العديد من أسلافه، خرج نتنياهو أمام الكنيست في مشهد تمثيلي متظاهراً بتأثره على الضحايا المزعومين في محيط مدينة غزة؛ للحصول على تفويض بشن حرب للقضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة وكذلك تهجير أهلها نحو سيناء، وهو الهدف الذي بدأت وسائل الإعلام تروج له كهدف المرحلة الحالية من مراحل تصفية القضية الفلسطينية.
يستهدف الاحتلال الإسرائيلي والأمريكان من هذه الحرب تفريغ غزة تماماً من سكانها بشكل عام ومن المقاومة الفلسطينية بشكل خاص، وهذا المشروع العنصري يأتي بسبب عجز الاحتلال رغم كل إمكانياته الكبيرة عن التعامل مع القطاع المحاصر منذ قرابة عقدين من الزمن، وقد قال عنه رئيس وزرائهم المقتول رابين: أتمنى أن أصحو من النوم، فأجد غزة قد غرقت في البحر.
لم تتأخر إسرائيل في التباكي وحشدت وسائل الإعلام الغربية لتسوّق سرديتها وأكاذيبها عن ضحاياها المزعومين من الأطفال مقطعي الرؤوس والنساء المغتصبات، وهي الأكذوبة التي قاموا بترويجها على مستوى دولي من أجل الحصول على أكبر تعاطف ودعم من دول العالم، التي يتسابق مسؤولوها على زيارة تل أبيب ومشاركتهم مظاهر التباكي إجباراً وطواعية؛ نظراً إلى قوة نفوذ الإسرائيلي في اقتصادات بلدانهم، وقد بدأت فعلاً عدة دول أوروبية تنفيذ قرارات ضد الفلسطينيين وتمنع بالقوة تنظيم أي تجمع لدعم غزة، فنرى فرنسا قد قررت حظر المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني في جميع أنحاء البلاد، بينما أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، تأييدها لطرد داعمي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من ألمانيا، ووصل الأمر إلى أن رئيسة لجنة فلسطين النرويجية قد تلقت تهديدات بالقتل، بسبب مواقفها الداعية إلى تطبيق القانون الدولي على الجميع.
هذا النوع من الضغط والترهيب تاريخياً متأصل في الصهيونية، فلطالما استخدمت "الهولوكوست" وجنت منها كثيراً من المكاسب، بل إنها حولتها لأداة استبدادية تخدم سلطة الاحتلال الإسرائيلي ومصالحها الاستعمارية، عن طريق قمع أي أصوات مناهضة لوحشيتها باسم "معاداة السامية"، واليوم تستخدمها لتشويه المقاومة وجهودها لتحرير شعبها، عن طريق حشد أبواق الإعلام الغربي لوصفها بـ"داعش".
هذا بالتوازي مع خطوات التطبيع مع بعض قيادات الدول العربية ليتم تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، لكن اليوم ومع الزخم الشعبي العربي تدرك إسرائيل أنها بالغت في توقعاتها من تلك الاتفاقيات التي لن ترى النور على مستوى المجتمعات العربية التي تشكل الخطر الأكبر على الاحتلال الإسرائيلي، إذ كانت تنوي من خلال التطبيع العمل الممنهج لتهجير أهل الضفة الغربية نحو الأردن وتصفية غزة، وهو المشروع الذي يسعى ويعمل عليه اليمين المتطرف داخل إسرائيل بشكل متسارع.
هذا وقد تكون هناك ترتيبات خطيرة لم يتم تسريبها بعد لوسائل الإعلام عن موضوع التهجير العنصري الذي يتم الترتيب له ببشاعة، وهذا إن تم فإنه لن ينهي أبداً القضية الفلسطينية، وذلك فكما رأينا الفكرة لا تموت بتغير الأجيال، فحق تحرير كامل أرض فلسطين حق توارثته الأجيال الفلسطينية في الداخل والخارج، وجميع المقاومين الفلسطينيين الحاليين مولودون بعد النكبة الفلسطينية بكثير، بل إن كثيراً منهم مولود بعد اتفاقية أوسلو عام 1994.
إن أول دعم لثبات أهل غزة في وطنهم يجب أن يأتي من الدول العربية التي تشترك في المصير ذاته مع الفلسطينيين ومن بعد ذلك يأتي دور المجتمع الدولي، فحتى الآن لم يحدث أي موقف عربي ملموس على أرض الواقع بعيداً عن التصريحات والاتصالات، وهو ما يتناقض مع الموقف الشعبي العربي الذي عبرت عنه الشعوب في المظاهرات التي تخرج يومياً في معظم المدن العربية.
وعد نتنياهو الصهاينة بأن نتائج الحرب ستغير خريطة الشرق الأوسط لخمسين سنة قادمة، ولا يدرك أن وجه الشرق الأوسط يتغير فعلاً بنجاح المقاومة في سحق قوات الاحتلال يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فما حدث هو بداية النهاية حتى لو تم تنفيذ مخطط التهجير، فالشعب الفلسطيني والشعب العربي قد تغيرا كثيراً جداً، والمنطقة مقبلة على أحداث كبرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.