أقرِنْ برأيكَ رأيَ غيركَ واستشرْ.. فالحقّ لا يخفى على اثنينِ
للمرءِ مِرآةٌ تُريهِ وَجههُ.. ويرى قفاهُ بجَمعِ مِرآتينِ
(الشريف الرضي)
اعتادت البشرية أن تختلف في الأفكار و طريقة التعامل مع الأمور، لذا فإن هذا الاختلاف طبيعي جداً ولا يمكن تجاهله. فطريقة التفكير والقيم التي تشكل ديناميكية شخصية كل إنسان فريدة وخاصة، وبالتالي فإن التنوع في الآراء والافتراضات هو جزء من واقعنا.
إن الاختلاف الذي يولد من هذه الأفكار والآراء المختلفة، هو سنة كونية، ولا يجب أن يتحول هذا الاختلاف إلى كراهية أو حقد، فهذا غير طبيعي. وفي ظل ظروف الحياة المختلفة، قد يضطر الأشخاص إلى التعامل مع أنماط شخصيات مختلفة، وعلى الرغم من أنه لا يعني ذلك الاتفاق المستمر، فإنه يجب أن يتم التعامل مع الآخرين بالاحترام والتسامح.
ولكن يبدو أحياناً أن بعض الأشخاص يصرون على فرض آرائهم على الآخرين، مستميتين على جعل الآخرين على صورة مكررة لأنفسهم. لذلك يجب أن ندرك أنه من الأفضل أن نستفيد من وجهات النظر المتعددة لأناس مختلفين لكي لا تظل نظرتنا للحياة قاصرة، فمن خلال الاختلاف يمكن أن نثري نقاشاتنا ونعزز فهمنا للعالم من أكثر من زاوية ومنظور.
إذا اختلفت آراؤنا كبشر، فهذا له حكمة من الله. فهذه الاختلافات هي وسيلة لنكتسب المزيد من المعرفة والفهم حول عالمنا بشكل أعمق. إذ تمكننا من إلقاء نظرة ثاقبة على الثقافات والمعتقدات والتجارب المتنوعة التي قد لا نكون قد فكرنا فيها من قبل.
{ولو شاء ربُك لجعل الناس أُمة واحِدة ولا يزالُون مُختلِفِين}
[ سورة هود: 118]
فمن خلال الاستماع إلى وجهات نظر متباينة، نمكن أنفسنا من تعلم كيفية التفكير بشكل أكثر موضوعية، وتطوير آرائنا الشخصية حول موضوعات مختلفة. فالتنوع في الآراء لا يساعدنا فقط في اكتساب المعرفة، بل يمكن أن يساعدنا أيضاً في تنمية مهارات التفكير النقدي لدينا.
ومن خلال استكشاف وجهات النظر المختلفة، نكتسب القدرة على تحدي معتقداتنا واتخاذ قرارات أكثر استنارة في مختلف جوانب حياتنا، بدءاً من القرارات المهنية، وصولاً إلى القرارات المالية والعلاقات الشخصية. فالاختلاف ليس مهماً فقط في توجيه تفكيرنا واتخاذ القرارات، بل يمكن أيضاً أن يسهم في بناء علاقات صحية ومتواصلة مع الآخرين. فعندما نتبنى وجهات نظر متنوعة، نساهم في خلق بيئة أكثر تفهماً وتعاطفاً، مما يعزز من فهمنا لتنوع الأفكار، ويساهم في تطوير قدراتنا في التفكير النقدي.
لذلك، يجب علينا أن ندرك أن الاختلاف في الآراء يمكن أن يكون مصدراً للثراء والتعلم. ومن خلال تبني وجهات نظر مختلفة، نستطيع الارتقاء بمستوى معرفتنا وتعزيز قدرتنا على التفكير بشكل نقدي، بالإضافة إلى بناء علاقات قوية مع المجتمع من حولنا.
مقولة "اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية" تجسّد فلسفة العيش المشترك بصداقة وتسامح. إن وجود اختلافات في الرأي بين الأشخاص لا يعني نهاية الود أو التقارب بينهم؛ بل هذه الاختلافات تعكس مجرد تنوع في آراء وتوجهات الأفراد. ويمكن أن تكون المناقشات البناءة والانتقادات الموضوعية مفيدة في تطوير العلاقات والصداقات، حيث يمكن لكل طرف التعبير عن رأيه بصراحة والمشاركة في حوار مفيد.
عندما يقبل الأصدقاء فكرة أن اختلاف الرأي يمكن أن يكون مثمراً للعلاقة بينهم، يصبحون أكثر تفهماً واحتراماً تجاه بعضهم البعض. يمكن لهذا التفاهم أن يقوي الصداقة ويمكّن الأصدقاء من تبادل الأفكار والآراء بشكل مثمر. بالإضافة إلى ذلك، التجربة المشتركة في التفكير والتعاون في حل المشكلات يعزز الثقة ويثبت روابط الود والمودة بين الأصدقاء.
للأسف، قد يكون هناك بعض الأشخاص في مجتمعاتنا اليوم لا يدركون مدى أهمية وضرورة الاختلاف في وجهات النظر، وقد يكون هذا هو السبب وراء ظهور أنواع مختلفة من سوء الفهم والمواقف العدائية بين الناس في مجموعة متنوعة من السياقات، سواء داخل المؤسسات أو في العلاقات الاجتماعية والعائلية.
عندما يتم طرح مسألة معينة للنقاش، يجب أن نفهم أن لكل فرد وجهة نظره الخاصة، وله رأيه وانطباعه الشخصي. الاختلاف في الرأي هو أمر طبيعي وتمتد جذوره في التاريخ البشري. فلا يمكن تحقيق الإجماع والاتفاق الشامل على رأي واحد دائماً، حيث يمكن أن تتفق بعض وجهات النظر مع بعضها ، بينما تختلف تماماً مع البعض الآخر. فبغضّ النظر عن صحة أو عدم صحة هذه الآراء المختلفة، فإنها تعبر عن اعتقادات وقناعات شخصية يمكن أن تتعلق بفهم الأفراد للأمور وتشكيل عقلياتهم. وهذا ينطبق على جميع المجالات، سواء كانت سياسية، اجتماعية، ثقافية، أو دينية.
لذلك، من المهم أن نتعلم كيف نتعايش ونحترم الاختلاف وتنوع الآراء ونحافظ على العلاقات الودية والمتينة مع الآخرين، بغض النظر عن التباين بيننا. فالاحترام المتبادل يمكن أن يساعدنا على الوصول إلى تسوية أو توافق يلبي مصالح الجميع، ويعزز العلاقات الإنسانية. من السهل أن يتعثر الفرد في طرق تفكيره في عالمنا المعاصر. حيث يُعرض عليه وابل من الرسائل المتضاربة يومياً، مما يجعله غير قادر على التوفيق بين الآراء المختلفة. ولكن بدلاً من الابتعاد عن هذه الآراء المتنوعة، ينبغي على الفرد أن يفنّدها وينظر لها بتروٍّ كوسيلة للنمو وتوسيع وجهات نظره الخاصة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.