اشتد الخلاف في الفترة الأخيرة بين النجم المصري محمد أبو تريكة، محلل قنوات بي إن سبورتس القطرية، وجماهير تشيلسي الإنجليزي، التي تنتمي للفريق في النطاق العربي.
كان أساس الخلاف الطريقة التي تناول أبو تريكة بها فريقهم بسُخرية، والسبب في ذلك سوء النتائج مقارنة بالأفكار التي تم تصديرها عن الفريق في الصيف الماضي.
حُجة أبو تريكة كانت قائمة على أن فريق تشيلسي أنفق كثيراً، لكن النتيجة أقرب إلى الصفر، وحُجة جماهير تشيلسي أن أبو تريكة يكره نادي تشيلسي لاعتبارات شخصية، وأخرى بسبب الانتماء المعروف عنه في إنجلترا لليفربول.
لكن هذه الحالة الكبيرة من الخلاف لم تتوقف، ولن تتوقف، ويبدو أن محمد أبو تريكة، وإن رآه البعض قد بالغ في اتخاذ الموضوع ناحية التحدي، إلا أن فريق تشيلسي في الموسم الحالي يُبرهن له على صدق توقعاته بصورة واقعية!
أبو تريكة كان مُحقاً
كان فريق تشيلسي من أوائل الفرق التي سمحت للاستثمار بالتوغل في إدارتها، ولم يكن الاستثمار في نادي تشيلسي تجربة، صابت أو خابت، وإنما كانت تجربة فريدة من نوعها، تجربة ستجعل الفريق يكون مملوكاً لرجل أعمال روسي اسمه "رومان أبراموفيتش".
وهو شخص يتشابه اسمه مع اللاعب الدولي السويدي زلاتان إبراهيموفيتش، لكنه على العكس تماماً لا يظهر كثيراً ولا يتحدث إلا في حدود ضيقة.
كان هذا الرجل هو من جلب الخير معه إلى فريق تشيلسي، وقدم إليه العديد من الإسهامات التي جعلت الفريق يدخل الجانب الأوروبي والمحلي، كأحد أقوى الأطراف في الألفية الحديثة.
وصل تشيلسي، تحت إدارته، إلى كل الألقاب المهمة التي يُمكن لأي فريق أن يحلم بها، ووصل في المقابل إلى نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا في 3 سنوات منذ بداية الألفية، وهو أكبر مما جناه الفريق في البطولة نفسها طوال تاريخه.
ميزة رومان أبراموفيتش أنه لم يكن يتحدث كثيراً، وهذه النقطة، في الوقت نفسه، كانت مُشكلة عظيمة.
نعم، كان رومان أبراموفيتش مسألة خلافية منذ لحظة وصوله إلى تشيلسي في مطلع الألفية الحديثة؛ مستثمر روسي لديه كم مهول من الأموال، كان السؤال الأنسب للرد على هذا الاستفسار: من أين جئت بها؟
وراء أبراموفيتش قصة سياسية وعرقية غريبة، فهو ليس روسياً فحسب، بل هو رجل دولة مُسيس بالكامل، وليس رجل دولة مُسيساً فقط، وإنما برتغالي، بل وأزيدك من الشعر بيتاً هو مواطن إسرائيلي.
رومان أبراموفيتش يُمكنك أن تراه واقفاً عند حائط المبكى كما يُسميه اليهود، والذي تُسميه الأمة الإسلامية باسم "حائط البراق"، وهو من أحد أقوى الأسهم اليهودية في العالم.
كان رومان أبراموفيتش يعلم أن كل استثمار جديد سيمنحه قوة أكبر في هذا العالم، ويا حبذا وإن أتى هذا الاستثمار عن طريق التعاون الإسرائيلي الروسي، بل وحتى على هيئة رجل لا يتحدث كثيراً، وحين يتحدث بطريقة مُنمقة ولبقة جداً.
"إذا أردت أن تعرف من هو رومان أبراموفيتش؛ فعليك أولاً أن تُدرك أنه قبل أن يكون روسياً، فهو مواطن يهودي أصلاً وعرقاً!"
تحصل رومان أبراموفيتش على جنسيتين، فوق جنسيته الأم: البرتغالية والإسرائيلية، وظهر الرجل في مواقف كثيرة وتصدر مشاهد سياسية، ربما لم نرَ أي رئيس في لعبة كرة القدم يتصدرها بهذا الشكل.
وكانت القصة باختصار شديد أن أبراموفيتش لم يكن يُنفق على تشيلسي بمفرده، وإنما كانت الخزائن الروسية تُقدم له كل ما يحتاجه من أجل توثيق تجربة استثمارية رهيبة على مستوى قارة أوروبا، وتكللت بالفعل بالنجاح، وكان تشيلسي من الفرق التي وضعت حجر الأساس لهذه الفكرة الغريبة في لعبة بدأت كلعبة ترفيهية، ثم انتقلت إلى أن أصبحت اللعبة التي تُباع وتُشترى وتُمنع وتُحجب وتُعامل معاملة الاحتكار.
بعد رفض الروابط العربية لفريق تشيلسي الإنجليزي، ما قاله النجم المصري ومحلل قنوات بي إن سبورت الرياضية، بحق فريقهم، كان رد المحلل المصري طريفاً، إذ قال: "بلاش أقولك أموال المالك منين.. ابحث كدة واقرأ".
وقد تكون الفكرة في حد ذاتها مُستهجنة؛ كون الكثير من الفرق حول العالم، والتي تمتلك قواعد وروابط عربية ضخمة، لها أصول سياسية تتنافى تماماً مع المبادئ العربية أو المعتقدات، إلا أن تشيلسي لطالما يصل إليه رجال لا تعرف من أين أتوا.
حقق تشيلسي ما فشل فيه أرسنال طوال تاريخه؛ بطولة دوري أبطال أوروبا، وليس لمرة واحدة، وإنما مرتين: الأولى في عام 2012 على حساب بايرن ميونيخ الألماني، والثانية في عام 2021 على حساب مانشستر سيتي الإنجليزي.
بعد أن استطاع رومان أبراموفيتش أن يمتلك كل هذا الدعم، تنحى عن المشهد تماماً من قيادة تشيلسي، وقرر أن يُنهي هذه الرحلة الكبيرة في قارة أوروبا، خاصة مع تفاقم الوضع السياسي لمعظم المواطنين الروس أثناء الحرب الروسية الأوكرانية.
تشيلسي بيئة لا تصلح للعمل
مشكلة تشيلسي تتمثل في أنه يبحث عن المظهر الإعلامي والجماهيري، مظهر يُمكن للجماهير أن تفتخر بأنها تعاقدت مع كذا وكذا، وبمبالغ كذا وكذا، لكنها لا ترى أي مردود لهذه العبارات في أرض الواقع.
كانت الأفكار الإدارية لدى تشيلسي ألا يخرج النادي من إدارة الاستثمار، أياً كانت وجهته ومصدره، المهم أن يكون المالك هو المُتحكم، والآمر الناهي في كل جوانب النادي ويُخرِج من يشاء ويُدخِلُ من يشاء إليه.
غادر اليهودي الذي مد جذور السياسة في لعبة كرة القدم، وتحول المشهد من اليهود إلى الأمريكان في لمح البصر، رومان أبراموفيتش يرحل، ويتم استبداله فجأة بمستثمر أمريكي يُدعى تود بويلي.
تود بويلي هذا استطاع أن يكسر كل الحواجز المنطقية وغير المنطقية منذ توليه قيادة تشيلسي، وها هو يقترب من عامه الثاني في ملكية النادي.
أنفق بويلي أكثر من مليار يورو كاملاً على كل الصفقات، التي يحتاجها الفريق، والتي لا يحتاجها، الصفقات التي يُريدها تشيلسي فعلاً بتوصية مدربه، والصفقات التي يستعرض بها تشيلسي قوته الشرائية المهولة لكي يمنع غيره من الانتفاع بها.
وكان الضحية الدائم في كل هذه الجلبة داخل النادي هو المدرب، حيث أعلن فريق تشيلسي رحيل توماس توخيل عن قيادة الفريق، رغم أنه قاد تشيلسي لتحقيق لقب بطولة دوري أبطال أوروبا في فترة حرجة، إذ تمكن المدرب الألماني من قلب الطاولة على الجميع، والوصول رفقة نادي تشيلسي إلى إنجاز غير عادي.
توخيل تسلّم فريقاً مُهلهلاً من أسطورة النادي فرانك لامبارد، فريقاً كان أقصى طموحه أن يصل إلى مركز من العشرة الأوائل، لكن سُرعان ما قادهم توخيل إلى إحداث المفاجآت الكُبرى.
تشيلسي الذي استطاع أن يُحقق نجمته الثانية في بطولة دوري أبطال أوروبا أقصى في طريقه أتلتيكو مدريد من ثمن النهائي، وبورتو البرتغالي في ربع النهائي، ونادي ريال مدريد في نصف النهائي، وفريق مانشستر سيتي في النهائي، كان الشاهد على كل هذه الإنجازات هو الأداء الذي يُقدمه الفريق بنفس العناصر التي لم تُقدم أي شيء يُذكر مع لامبارد، وهو ما برهن على جودة توخيل التدريبية.
بعد رحيل توماس توخيل، استدعى تشيلسي مدرب نادي برايتون ألبيون، السيد جراهام بوتر، الرجل الذي قدم نفسه كواحد من أفضل مدربي الكرة الإنجليزية في السنوات الأخيرة.
والذي كان سقف التوقعات عليه عالياً، إلى أن خر عليه السقف بعد مدة وجيزة مع الفريق، واستطاع بوتر أن يخرج من أضيق باب من أبواب ملعب ستامفورد برديج في تشيلسي.
لكن بوتر لم يكن يعلم أن الأوضاع هكذا في تشيلسي، وهو الذي اشتكى أكثر من مرة من التعامل الإداري الصعب في كافة الأمور تقريباً، يمنحونه صفقات بمبالغ مهولة، لكنه قد لا يكون بحاجة لها من الأساس.
وبعد رحيل بوتر، ومن قبله توخيل، كان على إدارة تشيلسي أن تستعرض قوتها الشرائية من جديد، وتتعاقد مع المدرب الأرجنتيني ماوريسيو بوتشتينو، مع صفقات جديدة لإنعاش قلب الفريق وجسده.
ثم محصلة صفرية، فريق تشيلسي يُعاني كما جرت العادة في السنوات الأخيرة، إلا في المرحلة التي كان لديهم فيها فعلياً إدارة فنية جديدة، هي إدارة المدرب الألماني توماس توخيل، الذي لم يحتج إلا مجموعة من العناصر كانت موجودة من قبله، لم يطلبها اسماً، وقدم بها ملحمة قادت تشيلسي لتقديم بطولة تاريخية في عام 2021.
ومن هنا، قد نفهم أن هجوم محمد أبو تريكة على فريق تشيلسي ليس هجوماً بطابع شخصي؛ وإنما بطابع يستصحب معه السؤال التقليدي، والذي يجعل نادي تشيلسي مشبوهاً بقدر ما يجلب من صفقات منذ بداية الألفية: من أين يأتون بكل هذه الأموال؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.