كتب التّاريخ، تلك الكتب التي كثيراً ما أفادتنا بالشيء الكثير عن أحداث تاريخيّة مهمة، سواء أكانت حديثة أم قديمة، لكن هل تساءلنا يوماً ما عن حقيقة المعلومات التي أخذناها منها، وعن المصادر التي وثّق منها الكاتب مادته ومضمونه؟
من جهة أخرى ربما تصادفنا الكثير من الحيرة عندما نصادف الكثير من التناقضات عند الاطلاع على معلومة تاريخيّة، فنجدها مسرودة عند أحد الكتّاب أو المؤرخين بشكل يناقض سردها عند كاتب أو مؤرخ آخر، بسبب اختلاف المصادر والنفسيّات والظروف والمعتقدات وغيرها من العوامل التي تصنع الفارق والتضاد.
لكن ثمّة عامل مهم وبارز للغاية، عامل دافع ومحوِّر للأحداث بشكل كبير، ألا وهو البروباغندا التي تلقي دائماً بظلالها على رؤية النّاس للتاريخ، وميلهم لطرف على حساب آخر، أو لحدث على حساب حدث ثانٍ، حتى على مستوى الكتابات والنّصوص فإنها تتأثر لتصاغ على نحو ما يتناسق مع دعاية ما، ويبتعد بالمقابل عن أخرى.
الصناعة السينمائيّة الأمريكيّة التي اشتهرت بهوليوود، والتي نشطت كثيراً خلال العقود القليلة الماضيّة، أسهمت بشكل لافت في إظهار النّمط الأمريكي للعالم على أنه هو المسيطر والمهيمن، وهو الذي يجب أن يكون على حساب الآخرين، حتى لو كان كاذباً وفاسداً، ولو كان غيره أصدق وأفضل، تلك السينما التي رصدت لها الولايات المتحدة مليارات الدولارات، حاولت بكل قوتها تلميع صورة كل ما هو أمريكي، ودفع الناس للالتفاف حول المشروع الأمريكي في العالم كله، ثم تخوين ومحاربة كل من يتصدى أو يشجب بأي طريقة كانت.
هذه النّزعة أثرت في كتابات الكثير من المؤرخين، وكتّاب السياسة والتّاريخ، فعمدوا إلى الإسهام في الدّفاع عن الرؤية الأمريكيّة حول مختلف القضايا في العالم، بحسن أو بسوء نيّة، لكن النتيجة كانت واحدة كما اشتهتها الدوائر الغربيّة الأمريكيّة.
وخلال الحرب العالميّة الثانيّة كانت الدعايات كقطع السّحاب تجوب سماء الدنيا دون أن تنقطع، فألمانيا والاتحاد السوفييتي كما أمريكا وبريطانيا، حاولت جميعها تلميع صورها، وإلحاق السوء والأذى بالأطراف الأخرى، وبين هذا وذاك سقطت الحقيقة مغشيّاً عليها في ساحات الوغى، وبين حروف الجرائد والمجلات، وبين أسطر الكتب والمخطوطات، وحتى الوثائق طالتها العديد من عمليات التزوير والحرق والاختطاف.
لذلك كله فإنّ ما يصلنا من كتابات تاريخيّة في الحقيقة يحتاج منا إلى كثير من الاستغراق في التفكير حول مدى صدقيته وموضوعيته، بعيداً عن الأدلجة والمناطقيّة والذّاتيّة، وغيرها من العوارض الأخرى التي تفضي بالنهاية إلى نصوص ربما لا تمتّ للحقيقة بصلة، في كثير من حيثياتها وفصولها.
إنّ كتابة المادة التاريخيّة مهمة معقدة، وصعبة للغاية، بسبب تشكّل العديد من المعوّقات التي تقف في طريق كل مؤرخ أو كاتب أو حتى الإنسان العادي، الذي شاهد أحداثاً ما، لكن وفق رؤيته وزاوية نظره، التي قد تكون قاصرة بسبب عامل أو عوامل معينة، حيث ينقل المشهد بكل موضوعيّة، لكن دون أن ينتبه إلى بعض العوامل الخارجيّة التي أضفت تغييراً على معطيات الحدث أو القضيّة.
إنّ نقل الأحداث أو المشاهد التاريخيّة بصدقيّة وموضوعيّة يرتبط بجملة عوامل داخلية وخارجيّة، تقرّبناً إلى الحقيقة أو تبعدنا عنها بمسافات ومسافات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.