"don't worry darling" هو فيلم أمريكي من إخراج أوليفيا وايلد، وتأليف كاتي سيلبرمان وكاري فان دايك وشين فان دايك. صدر الفيلم في عام 2022، وهو من إنتاج أوليفيا وايلد وروي لي وكاتي سيلبرمان، وبطولة فلورنس بيو، وهاري ستايلز، وكريس باين، وجيما تشان، وأوليفيا وايلد.
وكما هي عادة إنتاجات شركة "وارنر برذرز" الأمريكية، يدور الفيلم حول مفاهيم مثل "الحرية والسعادة المطلقة والكمال والمثالية"، ويعرض موضوعات الحب والخيال العلمي والتشويق وعالم المدينة الفاسدة.
عرض موجز
يبدأ فيلم "don't worry darling" في اليوم الـ987 من مجتمع يُسمّى "مشروع فيكتوري". يعيش مجموعة من الأشخاص في مدينة شركة تُدعى "مشروع فيكتوري"، ويمارسون حياتهم على غرار فترة خمسينيات القرن الماضي، حيث يذهب جميع الرجال إلى العمل كل صباح بينما تقضي النساء يومهن في إنجاز الأعمال المنزلية والذهاب إلى تعلّم الباليه. يعيش سكان مدينة "مشروع فيكتوري" حياة متطابقة تقريباً مبنية على "السعادة المطلقة" وتسير وفقاً لنظام مُحدّد بدقة يمتلك فيه الرجال والنساء أدواراً واضحة للغاية. يعيش بطلا الفيلم، أليس وجاك، حياتهما في إطار هذا النظام. تشهد أليس تطورات مختلفة تدفعها إلى التفكير في حقيقة وجود هذه المدينة. ترى أليس تحطم طائرة حول المدينة في وسط الصحراء، وتعبر الحدود التي لا ينبغي لها عبورها للعثور عليها. تزداد تساؤلات أليس بينما تمضي قدماً في حياتها وتشهد انتحار واحدة من جاراتها. تكتشف أليس في عشاء مع مؤسس شركة ومدينة "مشروع فيكتوري" أنَّ جميع سكان المدينة وُلدوا في نفس المدن وقضوا شهر عسلهم في نفس الأماكن والتقوا بشركاء حياتهم في القطار المتجه إلى بوسطن. تشارك أليس شكوكها في كل شيء تعيش فيه أثناء محاولتها فهم هذا النظام:
"قيل لنا عدد معين من القصص. قيل لنا ما نتذكره. حتى نتذكر ما يريدون أن ننساه".
سلَّم جاك زوجته، أليس، إلى مسؤولي المدينة بعد هذا العشاء وخضعت لعملية جراحية. في الوقت نفسه، يركز الفيلم على حياتهما قبل المجيء إلى المدينة. يتضح أنَّ جاك هو العقل المدبر لعملية الانتقال من حياتهما القديمة، حيث كانت أليس تعمل طبيبة بكل جد وجهد، إلى الاستقرار في هذه المدينة، حيث اختار جاك المشاركة في "مشروع فيكتوري" دون إبلاغ زوجته. بالعودة إلى المدينة، تبدأ أليس في تذكر كل شيء. يعترف جاك ثم يموت، وينتهي الفيلم بمشهد وصول أليس إلى آخر حدود المدينة.
الحلم الأمريكي أو استعارة الكهف
تعتبر "استعارة الكهف" عند أفلاطون من أشهر الاستعارات الفلسفية حول "طبيعة الواقع" و"كيفية اكتساب المعرفة". وفقاً لهذه الاستعارة، فإنَّ البشر سجناء مقيدون بسلاسل داخل كهف لا يرون سوى الظلال المنعكسة على الجدران ويظنون أنَّها حقيقة. لكن الشخص الذي يخرج من الكهف يرى الواقع الحقيقي للأشياء ويدرك خطأ سجناء الكهف. يرمز الكهف عند أفلاطون إلى المجتمع والعالم المتغير، وترمز السلاسل والأغلال إلى الأنماط والمعتقدات وأحكام القانون والأخلاق والأديان التي تقيد البشر في المجتمع. يرمز العالم خارج الكهف إلى عالم الوجود وعالم الأفكار، حيث توجد المعرفة الكاملة غير المتغيرة. تشير الظلال إلى الحقائق المؤكدة التي يحددها المجتمع. يعجز سجناء الكهف عن رؤية الحقيقة من خلال النظر إلى الظلال.
على الرغم من استخدام هذه الاستعارة في العديد من فروع الفن، يمكننا القول باطمئنان إنَّها أنشأت أقوى صلاتها مع السينما. استندت إنتاجات سينمائية شهيرة، مثل "متروبوليس" عام 1927 و"ذا ماتريكس" عام 1999، و"عرض ترومان" عام 1998 و"باربي" عام 2023، إلى هذه الاستعارة.
تُستخدم "استعارة الكهف" في السينما في سياقات "تشوه الحقائق" و"قوة الوهم" و"اكتشاف الواقع". يتناول فيلم "لا تقلق يا عزيزي" هذه السياقات الثلاثة بشكلٍ مباشر. أنشئ "مشروع فيكتوري" نتيجة ما يسمى "الحلم الأمريكي بالسعادة المطلقة"، وتدفع مدينة "مشروع فيكتوري" المشاهدين إلى التشكيك في علاقتهم بالواقع جنباً إلى جنب مع بطلة الفيلم، أليس. ويتساءلون: ما هي الحقيقة؟
هل الحقيقة أننا نسعى جاهدين لتأمين مكاننا مع إدراك الوضع الراهن داخل حدود الكمال؟ هل الحقيقة أنَّنا نحلم أحلاماً وردية مع مطالبة بالسعادة المطلقة؟ هل الحقيقة أننا نخدع أنفسنا من خلال بناء عالم بديل من الخيال ندَّعي أنَّه عالمنا الواقعي؟ الحقيقة ليست ما نعتقده، بل ما هو موجود بالفعل.
تريد أليس طوال الفيلم الوصول إلى العالم الواقعي وهي تتجاوز عتبات الوعي. بالنسبة لها، لا تستطيع إدراك الواقع إلا بمغادرة المدينة، التي تُمثّل الكهف في الاستعارة المأخوذة عن أفلاطون. تؤوي المدينة الظلال تماماً مثل الكهف، بينما يوجد الواقع الحقيقي خارج المدينة، خارج الكهف.
السينما هي لغة عالمية وعالم مليء بالرموز. يُقدّم فيلم "don't worry darling" عالماً خيالياً يُنظر فيه إلى مفهوم "سعادة الفرد" باعتباره مقدساً ومبنياً على السعادة المطلقة. يتشكَّل هذا العالم من خلال ديناميكية رائعة من الطموح، ويعكس نظاماً كونياً خيالياً تُنكر فيه الحاجة إلى جسم الإنسان، وتتمثل القوة الوحيدة في أداء العقول المتميزة المُنظّمة. يطرح الفيلم سؤالاً رئيسياً مفاده ما مدى واقعية هذا الشكل من الحياة المُقدّم إلينا تحت عنوان "السعادة". يشجع هذا السؤال المشاهد على التساؤل عن حياة السكان الأرستقراطيين في هذه المدينة المعروضة في الفيلم وحقيقة سعادتهم بموجب هذا العنوان.
يتتبع فيلم "لا تقلق يا عزيزي" "الحلم الأمريكي" من البداية إلى النهاية. ومع ذلك، يتصدر "التساؤل والتشكيك" قائمة المحظورات في الحياة المدمجة في هذا الحلم. لهذا السبب، يواصل الأفراد روتينهم اليومي، لكن تزداد يوماً بعد يوم قوة الشعور بوجود شيء ما مفقود في مكانٍ ما داخل العقل. يمكن اعتبار هذا الوضع بمثابة باب يدعو إلى التساؤل حول محتوى الحلم. يركز الفيلم على الاعتبارات الجمالية في السعي وراء "السعادة" و"الكمال". برز الاهتمام بالصورة السينمائية من خلال العديد من العناصر، مثل المدينة المبنية وديكور المدينة وتصميم المنازل والملابس واختيار السيارات. حقيقة إنَّ جميع شخصيات الفيلم تعمل لصالح شركة اسمها "فيكتوري" -وتعني النصر- تدين الفرق بين معنى حياتهم والمستحيل. تقع الشخصيات فريسة للوهم النابع من رؤى عقلانية، وتصبح سلاحاً يبحثون عنه في نفس الطريق.
يُقدّم فيلم "لا تقلق يا عزيزي" عالماً معقداً من خلال انتقاد الحلم الأمريكي والمسيرة الفكرية الداخلية لشخصياته، وهو ما يشجع المشاهد على التفكير والتساؤل أثناء استكشاف الخط الرفيع بين الواقع والخيال. تنعكس أنماط حياة سكان المدن الأرستقراطيين ومساعيهم في بحث الإنسان المعاصر عن السعادة، وهو ما يُقدّم منظوراً فلسفياً عميقاً حول التساؤلات والشكوك الداخلية للإنسان وقيم المجتمع. يستخدم فيلم "don't worry darling" قوة السينما ليأخذ المشاهد في رحلة فكرية، ويشجعه على طرح الأسئلة التي تترك أثراً. يصور الفيلم بشكل درامي سعي الإنسان لتحقيق السعادة من خلال استكشاف التوازن بين الواقع والخيال.
بدلاً من نهاية حاسمة
يتمثّل أشد انتقاد للفيلم في عدم أصالة القصة؛ لأنَّ القصة تُمثّل تكراراً يمكن إرجاعه إلى مسلسل "المرآة السوداء" وحتى فيلم "باربي". في هذا السياق، حتى إذا لم تكن القصة أصلية، فلا مانع من توقع عمق في طريقة تناولها. لكن جاء العمل بعيداً كل البعد عن العمق في هذا الصدد. من الممكن أيضاً استخدام مصطلح "المرور السريع" بالنسبة لشخصية أليس في نهاية الفيلم، لأنَّ القصة تكتسب فجأة زخماً في كل إيقاعاتها البطيئة، وتنتهي فقط بصوت التنفس. على الرغم من أنَّ التنفس يشير إلى استمرار الحياة، ثمة عنصر ما مفقود. يمكن أيضاً الإشارة إلى التحوّلات الضعيفة باعتبارها عاملاً آخر يقلل من قوة النهاية. يلفت الانتباه أيضاً قتل شيلي لزوجها لأنَّ الفيلم لم يُقدّم أية خلفية للشخصية. لم يظهر أنَّ شيلي شاركت في أي بحث عن حقيقة المدينة أو شكَّكت فيها. بالنظر إلى تساؤلات أليس ومساعيها، وهو الهدف الأساسي للفيلم، يظهر تصرف شيلي -رغم كونه بلا مبرر- بلا تأثير. باختصار، لا تتمتع القصة بأجواء تشجع الجمهور على الفضول أو الشعور بالإثارة حتى النهاية. صحيحٌ أنه يُتوقع قصر مُدة عرض الأعمال السينمائية ذات الإنتاجات غير الضخمة، ولكن يمكن القول إنَّ هذا الفيلم على النقيض من ذلك تماماً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.