زلزال الحوز وما جاوره من قرى كارثةٌ زلزلت نفوس المغاربة من الشمال إلى الجنوب، المشهد مزَّق القلوب، وأحزن الناس، وحرَّك خصلة المغاربة المتأصلة، التي نتميز بها كشعب وأمة لها تاريخ، في المساعدة والنضال وحب الخير للناس.
رغم كل ما يحوم من سوداوية وأنانية في مشهد الحياة اليومية، دائماً ما يتجدد اللقاء مع الأمل في العطاء والإحسان والمساعدة ونكران الذات إن صح القول، ما عاينّا من تصرفات ومشاهد لقوافل مساعدة من المدن الكبرى إلى الحوز والأقاليم المتضررة غيّر مفاهيم الكل، ولا ننسى بعض الدول التي قدمت المساعدة، في إطار روح الإنسانية والتطوع والتأثر بما وقع في مناطق منسية بالمغرب.
الحمد لله، إلى اللحظة التي تكتب فيها هذه الكلمات وينشر فيها هذا المقال، وبعد أكثر من أسبوع من الكارثة، يمكن القول إن هناك دروساً كثيرة واكبت زلزال الحوز، أولاً التضامن وروح العطاء للمواطنين المغاربة، فصورة الرجل الذي قدم الدقيق وانسحب بدراجته الهوائية لديها الكثير من الدلالات، ومشهد المغاربة الذين يشترون السلع والمواد الاستهلاكية من المحالّ الكبيرة ويقومون بتجميعها تدل على الإخوة والعطاء. أيضاً تعبئة القوات المسلحة الملكية والتنسيق مع فرق الإنقاذ الدولية وسط الميدان مجهود ضروري ومهم، يقال إن الأمور صعبة، ومازالت ضربات ارتدادية تعيق سير الأشغال وفتح الطرق، لأن الأمر ليس بتلك السهولة.
ورغم كل هذا التآخي وصور التضامن العظيمة، تظهر بعض السلوكيات غير الأخلاقية من بعض الذين يصفون أنفسهم بالمؤثرين، فنجدهم بارعين في استغلال المآسي.
المؤثرون وصنّاع المحتوى يتاجرون بمآسي الناس
لا ننكر أن لمواقع التواصل الاجتماعي دوراً فعالاً في الأزمات، فبعد الزلزال بساعات لم تكن لدى المغاربة معلومات بأن الزلزال خلَّف خسائر مهولة وكبيرة، الكل كان يقول إن الضربة عادية، والخسائر ربما غير موجودة، ليظهر مدى عمق الأزمة في صباح السبت 9 سبتمبر/أيلول 2023، عبر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لانهيار مبانٍ ومنازل، وضحايا وشهادات لمنكوبين وسط بؤرة الزلزال، ليستوعب المجتمع الدولي والمغاربة بعد ذلك أن الأمر وإن كان بسيطاً في مدينة الدار البيضاء والرباط، فإنه كان في أماكن أخرى رهيباً، حيث عاش الناس الهول بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فمن كان قريباً من الحادث وصف المشهد بـ"كأنه النهاية".
بعد وضوح الوضع، وبعد خروج الناس للتطوع، ظهر صناع المحتوى أو ما سأطلق على بعضهم "تجار مآسي الناس"، الذين ارتكب أكثرهم أخطاء فادحة بنيّة التشهير وتصوير المواطنين بدون إذن، ونشر صور للجثث والمنكوبين والأطفال.
التطوع، وجمع المساعدات، والدعوة إلى التضامن شيء في منتهى الرقيّ والإنسانية، لكن الخطير هو أن يتم استغلال الوضع لركوب التريند، إذ لا أتصور كيف لشخص يدّعي أنه يحمل رسالة العطاء والخير أن يصور طفلاً يرتشف الحليب جوعاً وعطشاً، بطريقة تقتل الكرامة، وشخصية ذلك الطفل، الذي سيكبر وسيشاهد مؤثراً من أجل أن يرتزق، وأن يُرفع عدد الإعجابات، قدَّم له الحليب كما يقدمه الراعي لصغار الماعز!
من جهة أخرى، استغلت مجموعة منهم المأساة، فنرى بعضهم يروجون لـ"تزويج" الفتيات القاصرات في القرى المغربية التي ضربها الزلزال، لأنهم يعتقدون أنهن فريسة سهلة، أيتام بدون أهل، فنجد من هؤلاء المستغلين من يتحرش بالفتيات القاصرات بطريقة علنية، ويقبل الأطفال ويعانقهن دون احترام لحرمة الموقف وهول الكارثة.
فبينما يحتاج أهالينا في مناطق الزلزال إلى الدعم والسند والحب والتضامن، يستغل تجار الآلام بشكل مقزز- للأسف- مأساة هؤلاء الأبرياء لجمع الإعجابات، وزيادة مشاهداتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحقيق أرباح ضخمة، دون أدنى اهتمام بالكارثة الحقيقية أو رائحة الموت التي تحوم هناك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.