هل تعتمد قراراتنا على العاطفة أم العقل؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/16 الساعة 11:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/16 الساعة 11:21 بتوقيت غرينتش

لا نبالغ إن قلنا إن أهم عامل في نجاح أي شخص أو فشله، هو مدى قدرة هذا الشخص على اتخاذ القرار المناسب، مهما كان وضعك الآن، ومهما كان مستواك، هو بلا شك نتاج قرار اتخذته سابقاً، وتكون قد وُفقت في ذلك القرار، أم لا، وبالتالي فأنت إما أن تكون راضياً عن وضعك الحالي أو ساخطاً، سواء في الجانب المهني أو الأسري، أو غير ذلك من مجالات الحياة الكثيرة والمختلف. صحيح أنه قد يكون من بين قراء هذا المقال، من لم يسبق أن خطر بباله هذا الأمر، فهو إما يربط وضعه الحالي بالحظ، أو بعوامل أخرى، والحديث عن مهارة أو قدرة اتخاذ القرارات، لا يعني أن عوامل أخرى ليس لها دور، وإنما في الأخير ما يحدد هو القرار الذي تتخذه، وبالتالي فالعوامل الأخرى، يكون لها دور في التأثير على اتخاذ قرار معين دون غيره، في الغالب هذه العوامل لا تخرج عن اثنين، إما أنها تكون عوامل عاطفية، تؤثر في الجانب العاطفي فينا، أو أنها عوامل تؤثر على الجانب العقلي في الإنسان، فأيهما يا ترى يجب أن نقتفي حتى نتخذ قراراً سليماً؟

قد تتسرع وتجيب بأن العقل هو الذي يجب أن نعتمد عليه، حيث إننا نظل نسمع عن استعمال العقل، تغليب لغة العقل، موقف غير عقلاني، وغير ذلك من العبارات التي تمجد العقل، وهذا ربما يجعلنا بداهة نعتقد أن الاعتماد على العقل، هو الحل الأنسب في اتخاذ القرارات، وخاصة إن كانت قرارات مصيرية في حياتنا، غير أننا إذا ما أردنا أن نسأل ما المقصود بالعقل، فهنا قد يختلف الكثيرون، حيث إن مفهوم العقل عندهم قد يختلف، لكن غالباً ما يقصد بالعقل الجانب المنطقي في الإنسان، الجانب الذي يعتمد على عمليات منطقية سليمة، تبنى من مقدمات هي بمثابة مسلمات، وتقود إلى نتائج، ينبغي التسليم بها أيضاً، وفي الجانب المتعلق بالقرارات، غالباً ما يُقصد بالعقل، حساب مدى الربح أو الخسارة المترتبة على قرر ما، وبناء على ذلك يمكن اتخاذ القرار، غير أن العقل ربما لا يكون عاقلاً في جميع الأحوال إن صح التعبير، حيث إن العقل يعتمد في الاستدلال على معطيات حسية، ومعلوم أن حواسنا قد تخدعنا في الغالب، فالعقل إذن ليس كل شيء، أو ليس بتلك القوة التي نتصورها على الأقل.

بينما آخرون قد يرون العكس، أن القرار السليم ينبغي أن يعتمد على العاطفة، أو ربما على الأقل ينبغي ألا تكون قراراتنا خالية من أي عاطفة، خاصة إذا كانت قراراتنا متعلقة بالآخرين، وبالتالي نعلم أنها سيكون لها تأثير على حيواتهم، وقد يبالغ البعض ويرى أن القرار الذي يعتمد على العاطفة أو التعاطف، هو قرار أخلاقي، والعكس بالعكس أيضاً، أي إن القرار الخالي من أي عاطفة، خال من مراعاة مشاعر الآخرين هو قرار لا أخلاقي، وهكذا تصبح العاطفة والأخلاق شيئاً واحداً، لكن للأسف كلا الأمرين مجانبين للصواب، حيث إن القرارات العاطفية، وإن كان يبدو أنها أخلاقية، فإن الأمر في الحقيقة غير ذلك، حيث إن القرارات العاطفية، هي غالباً ما تكون قرارات انحيازية، فالعاطفة تشبه الكشاف الضوئي، إذ إنه يجعلك تعتقد أن ما تبصره عيناك هو الموجود فقط، وغيره لا وجود له، أو أن ما تبصره عيناك هو المهم، وغيره لا أهمية له.

لنفترض أن شخصاً ما ينتمي إلى جماعة معينة، سواء كانت عرقية أو دينية، فإذا ما تخاصم له شخصان، واحد من جماعته والآخر من غير جماعته، وكان هو ذا سلطة وسطوة، فإنه ولا شك منتصر للشخص المنتمي لجماعته إذا ما استجاب للعاطفة، وهذا قد يجعل قراره غير عادل، بل ربما قد يكون كارثياً، إذا ما كان هذا الشخص قد ارتكب جريمة ما، وهذا ما نراه مثلاً يحصل في المحاكم في إسرائيل، حيث إن القرارات غالباً ما تكون انحيازية، رغم أن هذه محاكم والممثلون داخلها هم قضاة، وبالتالي فالعاطفة، وإن كان يبدو لنا في كثير من المواقف أنها أخلاقية، فهي في الحقيقة ليست كذلك، فكما قلنا فهي لا تسمح لنا برؤية الحقيقة كاملة.

هنا لا بد أيضاً من ذكر بعض تعاريف العاطفة، العاطفة تعرف بأنها هو أن تجعل نفسك موضع الآخر، أو أن تلبس خفيه، وترى العالم بعينيه، كما يعبر المثل الإنجليزي، وبالتالي فأنت تتألم لما يتألم له، وتفرح لما يفرح له، وهذا الأمر لا نستطيع أن نتحكم فيه، فنحن لا شعورياً نتفاعل مع هذا الأمر، حيث إننا في كثير من الأحيان، نجد أننا متوترون ولا نعرف السبب، وهو قد يكون ربما لأننا سبق أن رأينا من غير أن ننتبه مشهد شخص متوتر، وأحياناً نكون فرحين، أو قلقين، أو تعترينا مشاعر غير ذلك، فحينما نبحث عن السبب لا نجده، لكن هذا غالباً ما يكون من رؤيتنا للآخرين، وهذا النوع من العاطفة هو الغالب، وهو البدهي أيضاً، غير أننا كما سبق لا يمكن أن نعتمد عليه في اتخاذ قراراتنا، حيث إنه غالباً ما يضللنا.

وهناك نوع آخر من العاطفة، وهو العاطفة المعرفية، والذي يقصدون بها، أننا لا نحسب بالألم الذي يلحق بالآخرين، أو الفرح أو غير ذلك من المشاعر، لكننا نتفهمها، حيث إننا إذا ما رأينا شخصاً ما يتألم، فإننا نفهم مدى المعاناة التي يعانيها، لكننا ليس بالضرورة أن نشعر بذلك، وهذا النوع من التعاطف هو الذي يكون موجوداً عند الأطباء أو أصحاب القرارات، حيث إنهم وإن تفهموا وضع شخص معين، إلا أن ذلك لا يعني أن يرتكبوا حماقات بشأنه، أو أن ينساقوا إلى خداعه كما قد يحدث مع بعض المحققين، فالعاطفة بهذا المعنى هي التي ينبغي أن تولي الاهتمام.

في فيلم 12 angry man الرائع، يجلس 12 رجلاً، ليتخذوا قراراً بشأن أحد المراهقين المتهم بقتل أبيه، ليقروا هل هو مذنب حقاً أم لا، بعدما اطلعوا على الحجج ورأوا الدلائل التي كان جلها تشير إلى إدانته، غير أنهم وبعدما جاؤوا ليصوتوا بالإدانة، سيتخلف أحدهم، يمهلونه مهلة للتراجع ويناقشون معه، وهم متأكدون أنهم على صواب، غير أنهم، ومع بداية الحوار والنقاش، سيضطر جميعهم لتغيير آرائهم، وأنهم كانوا مخطئين، وذلك بعدما فحصوا الأدلة الموجودة كل دليل على حدة، وكل واحد فيهم أعطى رأيه، ودقق في بعض التفاصيل التي لم ينتبه لها من قبل، وهكذا تمت تبرئة المراهق، بعدما كان سيودي به إلى حبل المشنقة.

هنا يظهر لنا كيف أن الحقيقة عزيزة، ويصعب التوصل إليها، بل كيف أن مجمل قراراتنا غالباً ما تكون مبنية على معلومات مغلوطة، أو على مغالطات منطقية، أو حتى بناء على نزوات، ومن ثم كيف يمكن أن نرتكب جرماً في حق الآخرين، أو حتى في حق أنفسنا، في كتابه ضد العاطفة، يناقش بلوم مجموعة من الحجج التي يرى من خلالها أنه لا يمكن الاستناد إلى العاطفة في اتخاذ القرار، لكن حتى العقل لا يمكن الاستناد إليه أيضاً، لذلك قضية اتخاذ قرار ما ينبغي أن تكون على قدر كبير من الحيطة والحذر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سفيان الغانمي
كاتب رأي مغربي
تحميل المزيد