يعيش الأسرى الفلسطينيون والعرب داخل السجون الإسرائيلية ظروفاً صحية استثنائية؛ حيث يتعرضون لأساليب تعذيب جسدي ونفسي وحشية وممنهجة تسبب إلحاق الأذى والضعف بأجساد كثير منهم. ومن بين هذه الأساليب: حرمانهم من الرعاية الطبية اللازمة، وتأخير تقديم العلاج للأسرى المرضى والمصابين بصورة متعمدة، وتعرضهم للقهر والاضطهاد والتعذيب من قبل فرق الاعتقال والتحقيق.
يعاني أهالي أسرى فلسطين القلق والخوف الشديد بسبب مصير أبنائهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بسبب قرارات الوزير العنصرية والظالمة التي يفرضها وزير "الأمن القومي" في حكومة المستوطنين المتطرف إيتمار بن غفير عليهم، لذلك ينبغي العمل على كشف جرائم الاحتلال في سجون إسرائيل واعتبار قضايا الأسرى ذات أهمية سياسية ودبلوماسية، وأن يتم منحها الأولوية التي تناسب صمود ونضال أبطالنا في سجون الاحتلال.
ويجب العمل في جميع المجالات السياسية والدبلوماسية والقانونية الدولية، لأن انتهاكات وجرائم سلطات الاحتلال ووكالاتها المختلفة ضد الأسرى الأبطال في سجون الاحتلال، أصبحت تشكل كارثة حقيقية في ظل الحرب العدائية التي تقودها حكومة التطرف، وآخرها الإجراءات والقرارات العدائية التعسفية التي يتخذها بن غفير. وخاصةً قراره بتقليص زيارات أهالي الأسرى، التي تعتبر استمراراً لحرب الاحتلال المفتوحة على شعبنا عموماً وعلى الأسرى الأبطال بشكل خاص.
وهذا يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف والتفاهمات والاتفاقيات الموقعة، ومحاولة للمسّ بمكتسبات الحركة الأسيرة التي حققتها من خلال نضالها الطويل.
فبعد أن وصل عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية إلى مستوى قياسي منذ الانتفاضة الثانية في عام 2000 (1201 أسيرًا)، وقد قضى بعضهم 15 عامًا في الاعتقال دون محاكمة، قرر هؤلاء الأسرى البدء في إجراءات رفض الطاعة المدنية التي تشمل "المقاطعة الجزئية والكاملة، والانتقال الجماعي إلى الزنازين، والإضرابات المحدودة، والاحتجاج والتأخر في الميادين، ورفض تناول الدواء وعدم التعامل مع العيادات.
ولقد اعتبرت لجنة الإداريين الفلسطينية هذه الاعتقالات أنها "سياسة تغوّل وانتقام تنتهجها أجهزتهم الأمنية ضدنا والتي نشهدها في الفترة الأخيرة، حيث يزداد عددنا وتصدر أوامر تجديد للاعتقال الإداري بكثافة لغالبية الأفراد في الفترة الأخيرة، وتعتقل النساء والأطفال والمرضى وكبار السن، وتنتهج سياسة الاعتقال المتكررة التي تعيدنا إلى السجن الإداري بعد فترة قصيرة لا تتجاوز الشهر أو الشهرين يقضيها الكثيرون منا خارج المعتقل".
وأضافت اللجنة: "نطالب بمواجهة هذا الواقع الذي لا يزال مستمراً منذ عقود، حيث تحولت حالة الطوارئ إلى حالة دائمة ومستمرة، وتستخدم المنظومة القضائية الصهيونية لتبرير هذا النوع من الاعتقال التعسفي بهدف انكسارنا وانتهاك حريتنا وحياتنا، حيث أمضى الكثيرون منا أكثر من 10 سنوات في الاعتقال، وبعضهم تجاوز 15 عامًا".
وتتواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وإدارات السجون في عدوانها الواسع والغير مسبوق على حركة الأسرى، وتزيد من انتهاكاتها الجسيمة ضد الأسرى، في حين يتصاعد عدد حالات الاعتقال ضد المواطنين الفلسطينيين، وقد بلغت ذروتها الأسبوع الماضي، وفقًا للمؤسسات الفلسطينية المعنية بشؤون الأسرى، حيث تم اعتقال حوالي 200 مواطن، وتركزت الحملة في محافظات الخليل ونابلس ورام الله وجنين، وبلغ إجمالي حالات الاعتقال منذ بداية العام الجاري أكثر من 5000.
وتزداد عمليات الاعتقال التي تستهدف الأطفال والأسرى السابقين الذين قضوا سنوات في سجون الاحتلال، في حين تتفاقم معاناة الأسرى داخل السجون بسبب التزايد الحاصل في عدد الاعتقالات. ويتزامن ذلك مع قرار وزير الأمن القومي المتطرف (بن غفير) بإلغاء إطلاق سراح المعتقلين المبكر والذي يؤثر في ظروف حياة الأسرى المحتجزين، وسيؤدي إلى تفاقم الاكتظاظ في السجون. ووفقًا لأحدث الإحصاءات الصادرة عن المؤسسات ذات الصلة، يصل عدد الأسرى في السجون إلى حوالي 5100، منهم أكثر من 1200 معتقل إداري
ويستمر أربعة معتقلين في السجون الإسرائيلية في إضرابهم عن الطعام، رفضاً لاعتقالهم، بما في ذلك ثلاثة إداريين. يواصل كايد الفسفوس من دورا/ الخليل وسلطان خلوف من برقين جنوب غرب جنين إضرابهما عن الطعام لأكثر من شهر، ويتابع عبد الرحمن براقة من مخيم عقبة جبر جنوب أريحا إضرابه لمدة تقارب الشهر، رفضاً للاعتقال الإداري.
بالإضافة إلى ذلك، يواصل المعتقل ماهر الأخرس إضرابه لمدة أسبوعين تقريباً، رفضاً لاعتقاله، وتم تمديد احتجازه من قبل المحكمة الإسرائيلية يوم الخميس الماضي الموافق 31 أغسطس 2023 لمدة سبعة أيام للتحقيق. يواصل نحو 70 معتقلاً إدارياً في السجون الإسرائيلية مقاطعتهم لمحاكم الاحتلال العسكرية، وذلك في إطار مواجهتهم لجريمة الاعتقال الإداري المدبرة، التي تستمر السلطات الإسرائيلية في تصعيدها بعد اعتقال المئات من أبناء شعبنا بدعوى وجود "ملف سري"، حيث تجاوز عدد المعتقلين الإداريين الـ1200، وهو أعلى عدد منذ سنوات انتفاضة الأقصى.
في هذا الوقت بالتحديد الذي تتصاعد فيه المواجهة بين الأسرى وسلطات الاحتلال، وتزيد معاناة الأسرى نتيجة للاختراقات الجسيمة الممارسة ضدهم، أصدر وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير تعليمات بتقليص زيارات عائلات الأسرى الفلسطينيين من الضفة الغربية في سجون الاحتلال من مرة كل شهر إلى مرة كل شهرين. وذلك اعتباراً من يوم الأحد الماضي 3 سبتمبر 2023، وفقًا لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية. ويشمل هذا القرار حوالي 1600 أسير من إجمالي حوالي 5000 أسير. وأشارت الصحيفة إلى أن بن غفير اتخذ هذا القرار دون التنسيق المناسب مع الأجهزة الأمنية، على الرغم من معارضة مفوضة مصلحة السجون كيثي بيري التي حذرته من العواقب الخطيرة لهذا القرار. وأعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أنه لم يتخذ أي قرار حتى الآن بشأن قضية الأسرى، ردًا على قرار وزير بن غفير بشأن زيارات الأسرى. وبغض النظر عن اختلاف وجهات نظر نتنياهو والأجهزة الأمنية مع بن غفير في هذا الشأن، إلا أن سلطات الاحتلال تتفق على خطة التنكيل بالأسرى وتواصل هذه الاختلافات ضمن إطار المناورات.
وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن المحتجزين الفلسطينيين هم أفراد محميون ويحق لهم الاتصال بأسرهم وفقًا للقانون الدولي الإنساني. وناشدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيان أصدرته، السلطات الإسرائيلية ذات العلاقة حماية حقوق المحتجزين المحميين لديها واحترام التزامات القانون الدولي الإنساني ذات الصلة.
لن تظل الحركة الأسيرة مكتوفة الأيدي أمام عدوان الاحتلال ومخطط بن غفير الذي يستهدف حقوقهم وينتهك كرامتهم الإنسانية، ولقد عبّرت لجنة الطوارئ العليا للحركة الوطنية الأسيرة عن هذا، حيث أعلنت في الأحد الماضي 3 سبتمبر 2023، قرارها بالبدء في إضراب مفتوح عن الطعام يوم الخميس 14/09/2023م. وفي بيانها، طالبت اللجنة بوقف جميع القرارات والسياسات التي تم تنفيذها للتضييق على الأسرى وشروط حياتهم، وكذلك استعادة جميع حقوقهم التي سلبت خلال الفترة الماضية. وأضافت أن "حقوقنا التي نحيا تحتها تم اقتلاعها بدمائنا، وآلاف الأطنان من اللحوم في الإضرابات التي شاركنا فيها. ولم نحصل عليها كتسلية أو هبة أو بالتزام بالقوانين والشرائع الدولية. لذلك، فهي ليست قابلة للتفاوض أو التنازل عنها".
ستتواجه الحركة الأسيرة بمعركة مفتوحة مع الاحتلال للدفاع عن حقوق وكرامة الأسرى البشرية. ومن الضروري دعم الأسرى وتمكينهم من مواجهة جرائم الاحتلال التي تستهدفهم ووضع حد للمخطط العدواني العنصري الذي يقوم به المستوطن الصهيوني المتطرف بن غفير ضدهم. وعلى الشعب الفلسطيني وقواه ومؤسساته الوطنية وحقوقهم أن يتحدوا لدعم الأسرى وتمكينهم من الدفاع عن حقوقهم المشروعة والعادلة. ويجب على الأحرار في العالم وكافة المؤسسات الحقوقية الدولية التحرك بسرعة لوقف جرائم الاحتلال ضد الأسرى والدفاع عن حقوقهم التي يكفلها القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
تتعاون حكومة الاحتلال الفاشية والأحزاب الصهيونية المتطرفة وإدارة السجون والمحاكم العسكرية معًا لتقييد حرية الأسرى الفلسطينيين في كل مرة يحققون فيها انتصارًا يزيد من حقوقهم المشروعة وفقًا للقوانين والأعراف والاتفاقيات الدولية التي يتجاهلها الاحتلال.
إن الاحتلال يستمر في ارتكاب جرائمه المتكررة بحق الشعب الفلسطيني أمام أعين العالم الذي لم يتحرك ولم يوقف هذا الاحتلال عند حده، على الرغم من التزامه بحفظ الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية لاهاي بشأن الأسرى وحقوقهم وكرامتهم التي ينبغي عدم التعدي عليها.
إن تنفيذ قرارات المتطرف بن غفير بحق الأسرى يشبه صب الزيت على النار، حيث ستنشب الاضطرابات داخل السجون وخارجها، خاصةً أن الأسرى يستعدون للدخول في إضراب مفتوح عن الطعام في منتصف هذا الشهر.
إذا تم تنفيذ تلك الإجراءات، من المتوقع أن يتزامن إضراب الأسرى مع الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية العارمة في الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة. وسوف ينشب بالتأكيد صراع مع قوات الاحتلال عند خطوط التماس، مما سيشعل نار الانتفاضة من جديد. وفي ذلك الوقت، ستتحد الميادين وتشتد المقاومة على غرار المواجهات السابقة، وربما بنسبة أكبر من الألم والقسوة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.