مجموعة البريكس (BRICS) هي تكتل اقتصادي يضم خمس دول، هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. تأسست المجموعة في عام 2006 بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية بين هذه الدول. على الرغم من أن هناك بعض التصاعد في التوترات الجيوسياسية بين مجموعة البريكس والولايات المتحدة في بعض الأحيان، فإنه من المهم فهم الأمور بشكل أوسع.
لاحظت بعض التقارير والتحليلات توتراً بين مجموعة البريكس والولايات المتحدة فيما يتعلق بالسياسات والاقتصاد العالمي. ومن الممكن أن يظهر هذا التوتر في مناقشات حول مسائل مثل التجارة والاستثمار والنظام المالي الدولي.
مجموعة البريكس تشمل دولاً بمستويات اقتصادية واجتماعية متباينة، وهي تعمل على تعزيز التعاون وتطوير مشاريع مشتركة في مجموعة متنوعة من المجالات. إن تقسيم العالم بين البريكس والولايات المتحدة هو تبسيط للوضع الدولي الأكثر تعقيداً، والواقع هو أن هناك تفاعلات متعددة تحدث بين دول مختلفة في العالم.
في عام 2001، صاغ خبير اقتصادي في بنك غولدمان ساكس يدعى جيم أونيل الاختصار الأصلي "BRIC" للإشارة إلى البرازيل وروسيا والهند والصين. وتوقع أيضاً أن تهيمن جميع هذه الاقتصادات الناشئة على الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050. ولم يحظَ هذا الأمر باهتمام كبير في منتديات النقاش العالمية وبين المثقفين آنذاك، حيث كانت الولايات المتحدة حينها القوة المهيمنة أحادية القطب. ومع ذلك، خلال الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، أدرك المجتمع الدولي أن هناك دولاً أخرى في الجنوب العالمي مثل الهند والصين وغيرها تسعى لخلق توازن اقتصادي وسياسي عالمي متعدد الأقطاب.
وكانت هذه هي المرة الأولى في عام 2008 عندما دخلت مجموعة البريك في مناقشات مع الرئيس الصيني هو جين تاو، ورئيس الوزراء مانموهان سينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة الثماني في سانت بطرسبرغ بروسيا. ولكن قبل ذلك، اجتمع وزراء خارجية دول البريكس على هامش الدورة الحادية والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك عام 2006 وحددوا الأهداف الرئيسية للمجموعة المستقبلية.
وأدت هذه الاجتماعات رفيعة المستوى أخيراً إلى بلورة المنظمة الحكومية الدولية في 16 يونيو/حزيران 2009 في يكاترينبرغ بروسيا، عندما اجتمع رؤساء الدول الأعضاء المؤسسون الأربعة في قمتها الأولى. وكانت الأهداف والغايات الرئيسية التي حددتها مجموعة البريك هي: تعزيز التعاون الاقتصادي، والتجارة، وتدفقات الاستثمار بين الأعضاء ومع البلدان النامية الأخرى؛ والدعوة إلى نظام دولي أكثر شرعية وتمثيلاً، بما في ذلك إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ وتعزيز التبادلات الشعبية والتعاون الثقافي والتعليمي والرياضي؛ للعمل كجسر وصوت لمصالح الجنوب العالمي.
وأخيراً استخدام نقاط القوة الاقتصادية لكل عضو لبناء العلاقات وتجنب المنافسة. وقد شهدت هذه الأهداف الأصلية تغيرات هائلة مع الصعود الحاد للصين منذ عام 2012 مع بداية نظام شي جين بينغ في بكين.
رغم ذلك، على الصعيد السياسي، يوجد تناقض استراتيجي بين أعضائها، إذ هنالك عداء تاريخي بين الصين والهند، فبصرف النظر عن مبادرة الحزام والطريق (BRI) التي كثر الحديث عنها والمثيرة للجدل، والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، واستراتيجية سلسلة اللؤلؤ، وأخيراً، فإن تكتيكات دبلوماسية الذئب المحارب سرعان ما أصبحت تهديدات محتملة لجارتها.. الهند. وفي عهد شي، أصبحت الصين تنظر للخارج لتستعيد مكانتها العالمية باستخدام كل السبل المال، والسياسة الناعمة والخشنة إذا لزم الأمر.
علاوة على ذلك، فهناك قلق داخل مجموعة البريكس حيال استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مما يجعل المعادلات الجيوسياسية أسوأ كل عام.
ولم يتمكن بوتين من السفر للاجتماع المجموعة الأخير في جنوب إفريقيا، هذه المرة لحضور القمة الأخيرة، خوفاً من اعتقاله؛ حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بالفعل مذكرة اعتقال بحقه. وبوصفها عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، من واجب جنوب إفريقيا نظرياً توقيف الرئيس الروسي في حال دخوله أراضيها. ولذلك، تجنب بوتين حضور قمة البريكس الأخيرة وأوفد وزير خارجيته سيرغي لافروف بدلاً من ذلك.
وعلى جانب آخر، تشهد البرازيل وجنوب إفريقيا، وهما عضوان آخران في مجتمع البريكس، اضطرابات اقتصادية وسياسية كبيرة في الآونة الأخيرة. وخاصة بعد الفوضى التي أحدثها الرئيس اليميني السابق جايير بولسونارو. ومع وضع كل هذه الأمور في الاعتبار، فإن مستقبل البريكس وأعضائها الجدد ربما يواجه صعوبات وتحديات ليست سهلة.
وبالعودة للهند، فحتى وإن حلت خلافاتها مع الصين، سيكون من الصعب عليها تحقيق توازن في علاقاتها المتنامية مع الولايات المتحدة والغرب في حين تتحالف مع الصين في مجموعة أخرى تسعى للتخلص من الدولار والهيمنة الأمريكية.
لذلك، يجب على الهند أن تنحاز إلى أحد الجانبين بدلاً من لعب أدوار مزدوجة، كما يقترح العديد من الخبراء الاستراتيجيين. ومع ذلك، فإن الوقوف على جانب واحد من الطيف هو لعبة صعبة، حيث أصبح العالم مترابطاً بشكل متزايد اليوم، على عكس أيام ما قبل الحرب الباردة.
إن مجموعة البريكس هي منصة جديدة نسبياً، في حين أن النظام الليبرالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة هو نظام قديم وذو خبرة، إذا جاز التعبير. والواقع أن الولايات المتحدة والمؤسسات التي يقودها الغرب شهدت بالفعل أزمات متعددة الجوانب وتعلمت فن البقاء.
لكن رغم كل هذه التعقيدات داخل مجموعة البريكس، ربما يوجد فرصة فعلاً لإعادة تعريف نظام جديد للاقتصادات الناشئة والدول النامية، وخاصة لجنوب العالم.
إذ يمكن اعتبار القمة الأخيرة إنجازاً حقيقياً في طريق ذلك، حيث إنها مهدت الطريق لتوسيع المجموعة من مجرد 5 دول إلى 11 دولة.
فقد تمت دعوة الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ويجب الإشارة إلى أن هذا هو التوسع الثاني للمنظمة بعد فجوة دامت 13 عاماً، عندما تم الترحيب بجنوب إفريقيا في عام 2010.
وتمثل إضافة إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أهمية كبيرة؛ لأنها دول غنية بالنفط. ومع دخول الأرجنتين، يأتي عضو آخر من منطقة أمريكا الجنوبية، بعد البرازيل. والآن أصبح بوسع الدولتين والقوتين الكبيرتين من أمريكا الجنوبية أن تمثلا الأولويات بالنسبة لبقية بلدان أمريكا اللاتينية. وسينضم جميع هؤلاء الأعضاء الجدد رسمياً إلى المنتدى بحلول الأول من يناير/كانون الثاني 2024.
إن إمكانية تعرض الهوية الاقتصادية الحالية للنظام الاقتصادي العالمي والتي تتسم بالرأسمالية للتغيير، يجب أن ترتبط بإحداث تعديل بارزة في مقدرات النظام السياسي، وهو ما يصعب حدوثه بشكل سريع، ومن هنا يمكننا ألا نكون أكثر واقعية لنتوقع أن أفضل ما يمكن أن يصل إليه تكتل البريكس، هو أن يسعى لتقديم بديل للعولمة الحالية، وتجنب مساوئها الاقتصادية وفي المجالات الأخرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.