لطالما ارتبطت شجرة الزيتون بفلسطين وبلاد الشام منذ آلاف السنين، حيث كان زيتها من أهم السلع منذ فجر الحضارات البشرية، ومن هنا جاء حرص أهل فلسطين على زراعة الزيتون والاعتناء به، غير مبالين بتبدل الحضارات والدول على أرضها.
يقول مؤرخون إن أقدم شجرة زيتون وُجدت في فلسطين في قرية ولجة في بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، إذ يقدر عمرها بحوالي 5000 عام.
وقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بزيارة قبل ذلك لتلك الشجرة، وأخذوا عينات منها، وقياساتها، مما أثار خوف بعض العائلات في القرية، فكلفت وزارة الزراعة الفلسطينية حارساً يقوم على حراستها براتب شهري يُقدر بنحو 400 دولار. فلطالما سعى الاحتلال الإسرائيلي لتجريف مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون المثمرة في فلسطين.
فمنذ النكبة بدأت العصابات الصهيونية بالتهجير المنظم لأهالي الريف الفلسطيني، ولكي يضمنوا عدم عودتهم قام الصهاينة بهدم المنازل وزرعوا مكانها الأشجار حتى لا يجد الفلسطيني شيئاً ليعود إليه، ورغم أن فلسطين هي موطن طبيعي للزيتون إلا أنهم فضلوا زراعة أنقاض القرى المهجرة بالصنوبر والأشجار الحرجية، ولعل هذا يؤكد أنهم أغراب عن هذه الأرض طارئون عليها، فزراعة الزيتون تحتاج للاستقرار والبقاء لسنوات طويلة حتى تنتج وتعطيك مقابل تعبك.
طوال الـ 75 عاماً الماضية كان الصراع حول الأرض ومن أجل الأرض، من أجل كل سنتيمتر مربع، تقاس فيه الانتصارات بالمتر والشبر، وفي خضم سعي الصهاينة لتهويد الضفة الغربية وضمها كان لا بد من اقتلاع الفلسطيني وطرده خارجاً.
ولما كان التهجير الشامل متعذراً لأسباب كثيرة حاول الاحتلال الإسرائيلي اللجوء إلى فكرة أكثر خبثاً، تتمثل في الاستيلاء على الجبال والمناطق الزراعية الشاسعة وحشر الفلسطينيين داخل مدن وقرى يحاصرها الاستيطان من كل الجهات، فيكونون رهائن بيد الاحتلال.
فبدأ التضييق على المزارعين ودفعهم لترك أراضيهم، حيث إن زراعة الزيتون هي الأكثر انتشاراً وتأخذ الحيز الأكبر من الأرض في الضفة الغربية، وما دام هنالك فلاحون يعتنون بأشجارهم فلن يستطيع المستوطنون التجول بحرية، ولن يستطيعوا الاستيلاء على هذه الأراضي بدون الدخول في مواجهة مفتوحة لا يستطيع الاحتلال تحمل ثمنها على المدى البعيد.
لهذا تعددت وسائل التضييق مثل عرقلة إجراءات التصدير للخارج حتى يبقى مدخول المزارع منخفضاً، وإغراق السوق الفلسطيني بزيتون المستوطنات المدعوم من حكومة الاحتلال، كما شهدنا في السنوات القليلة الأخيرة تزايداً في اعتداءات المستوطنين على المزارعين خلال موسم حصاد الزيتون وقص أشجاره، فعلى سبيل المثال قام الاحتلال الإسرائيلي خلال عام 2012 بتدمير قرابة 31 ألف شجرة زيتون؛ إما عن طريق اقتلاعها من جذورها أو تعريضها للتخريب. هذا بالإضافة إلى ضم مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالزيتون خلف جدار الفصل العنصري، والذي يمنع الوصول إليه عبر تصاريح وإجراءات معقدة.
لذلك يصبح اليوم الاعتناء بشجر الزيتون وزراعته عملاً مقاوماً لمنع الاستيطان من التمدد، وذلك بعيداً عن أغنية زراعة التفاح والليمون التي كانت مثار سخرية الكثيرين، فالمقاومة الزراعية هي رديف للمقاومة المسلحة وغيرها من أشكال المقاومة، وليست بديلاً، فكلها تصب في ذات الاتجاه: تعزيز الوجود الفلسطيني وطرد الاحتلال الإسرائيلي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.