لا شك أن التحديات التي ترتبط بصعوبات الحياة وضروريات العيش الكريم تستدعي تضحيات عديدة منا جميعاً. هذه التضحيات ربما تتضمن العمل لساعات طويلة، أو القبول بالعمل بأكثر من وظيفة لتلبية الاحتياجات الأساسية فقط. فنجد منا من يسافر بحثاً عن فرص أفضل، ومنا من يستسلم لهذه الدوامة. ورغم سهولة التنقل في عصرنا الحديث، إلا أن الحدود باتت أصعب، فلذلك يتجه بعض أبناء الجنوب بعد أن ضاقت بهم السبل للهجرة غير الشرعية وركوب أمواج البحر غير مبالين بخطورتها ولا بمستقبلهم الضبابي الذي ينتظرهم.
لا تكمن خطورة الهجرة الشرعية في الموت فقط ولا حتى أن تقبض عليك السلطات، إذ تستغل مافيا الاتجار بالبشر بؤس المستضعفين والمهاجرين غير الشرعيين لتتربح بطرق عدة.
ما هو الاتجار بالبشر؟
وفقاً لبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر هو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها والاختطاف والاحتيال والخداع واستغلال السلطة واستغلال حالة الاستضعاف أو بإعطاء وتلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
بمعنى أكثر بساطة، الاتجار بالبشر هو عملية شراء وبيع أفراد لأغراض مختلفة، منها الاستغلال الجنسي والعمالة القسرية، بالإضافة إلى تزويج النساء بالقوة وسرقة الأعضاء. يعد هذا النوع من الاتجار صورة من صور الظلم والاستغلال، حيث يلجأ بعض الأفراد الضعفاء والمحرومين أحياناً إلى التعرض لهذه العملية لتخفيف أعباء حياتهم وتلبية احتياجاتهم واحتياجات أسرهم.
في سياق هذه الظاهرة، يتحول الفرد إلى سلعة في يد التجار، حيث تتم السيطرة على حريته وقراراته. يُستغل جسده ووقته وحتى مشاعره بما يخدم مصالح الأطراف المشترية. فيصبح الفرد عبارة عن سلعة تُحرّك حسب ما يشاء التاجر، بحيث يُجبر على العمل والعيش في ظروف غير إنسانية دون أن يكون له أي تحكم في مصيره. يمكن أن يُنقل بين البلدان دون مراعاة لإرادته أو مصلحته.
يتعرض ملايين الأشخاص لظاهرة الاتجار بالبشر سنوياً
وعادة ما تكون الفئات المستهدفة هي الأطفال والنساء، الذين يُستغلون في هذه الصفقات الظالمة، إذ يتم استغلال ضعفهم وقلة حيلتهم.
ورغم صعوبة قياس هذه الظاهرة نظراً إلى طبيعة الاتجار السريّة. فبحسب التقديرات العالمية لمؤسسة لنمشِ أحراراً ومنظمة العمل الدولية، تعرّض 25 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم للعمل القسري والاستغلال الجنسي خلال العام 2016.
كما بيّن التقرير العالمي الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (2020) أن النساء والفتيات لا يزلن يتأثّرن أكثر من غيرهنّ بالاتجار بالأشخاص: ففي العام 2018، وقعت حوالى 5 نساء بالغات وفتاتان ضحية الاتجار من بين كلّ 10 ضحايا تم اكتشافهم على المستوى العالمي.
إذ أوضح التقرير أن حوالي ثلث إجمالي الضحايا المكتشفين هم من الأطفال، من فتيات وفتيان على حد سواء، و20% من الضحايا المكتشفين من الرجال البالغين. وتم الاتجار بمعظم الضحايا (50% منهم) لغرض الاستغلال الجنسي، بينما تم الاتجار بنسبة 38% منهم لأغراض العمل القسري.
وقد بين التقرير أنه بالنسبة للقاصرات تمّ الاتجار بـ72% منهنّ لغرض الاستغلال الجنسي، و21% لغرض العمل القسري، و7% لأشكال الاستغلال الأخرى.
-أما بالنسبة للقصر من الذكور فتمّ الاتجار بـ23% منهم لغرض الاستغلال الجنسي، و66% لغرض العمل القسري، و11% لأشكال الاستغلال الأخرى.
يدفع غياب الرعاية والتعليم إلى الفقر والإحباط، هذه قاعدة شبه ثابتة. ويستغل المتاجرون بالبشر فقدان الأمل والإحباط في الحياة اللذين يسيطران على الكثيرين، فيُرغمونهم على ممارسة الدعارة والعمل كعبيد ويستغلونهم في المتاجرة بالأعضاء البشرية. ويقدر الخبراء عدد الضحايا بالملايين، فحسب معطيات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة فإن عدد الأطفال والشباب دون 18 عاماً الذين ذهبوا ضحية لهؤلاء المتاجرين عرف تزايداً في 132 بلداً.
وقد أعلن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المتاجرة بالأعضاء البشرية والجريمة المنظمة عن زيادة في عدد المحاكمات المتعلقة بالمتاجرة بالبشر على مستوى العالم خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، يظل عدد الأشخاص الذين يُصدر بحقهم أحكام جزائية في هذا السياق قليلاً للغاية. وتقدر المفوضية الأوربية أرباح الاتجار بالبشر بحوالي 25 مليار يورو في العام الواحد على المستوى العالمي.
هذا الواقع المأساوي ينبغي أن يشكل دعوة قوية للتصدي لظاهرة الاتجار بالبشر بكل حزم وجدية. إن البشاعة الواضحة لهذا الظلام الذي يلوح في أفق العالم تستدعي تكاتف جهود المجتمع الدولي والحكومات والمنظمات غير الحكومية وكل فرد منا، عن طريق تعزيز التوعية والتعليم عن هذا الموضوع.
إذ ينبغي أن تكون الحماية لضحايا هذه الجريمة واجباً إنسانياً يتصدى لأي تجاوز ويضمن لهم الدعم والإعادة إلى حياة كريمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.