في عام 1993، كان يان تيان واقفاً بمطار بكين الدولي، حاملاً في حقيبته كثيراً من الأموال التي لم تكُن تعني الكثير لحاملتها؛ شقيقته، لأنها لا تعرف ما بداخلها!
قبل عقد من المُدة المذكورة؛ يان تيان، كان شاباً صينياً، قرر أن يبتعد عن قارة آسيا، ويعبر المحيط ليستقر في قارة أمريكا الشمالية، وتحديداً دولة كندا، هُناك كان على يان تيان أن يتعلم كل شيء خاص بمجاله الجديد؛ البرمجة.
لكن يبدو أن الأزمة الحالية في بعض الدول، كانت شبيهة لها في القرن الماضي بدولة كندا؛ حيث لم يجد يان تيان فُرصة مناسبة بالنسبة له في الشركات التي يُريدها والتي تتناسب مع مجال دراسته وعمله، وذلك بعد تخرجه في الجامعة عام 1983.
دولة كندا في ذلك الوقت، كانت تُعاني من الركود الاقتصادي بشكل فج؛ وبالنسبة لمغترب مثل يان تيان، لم يكُن التوظيف سهلاً، لدرجة أن المطعم العالمي "ماكدونالز" لم يكن يقبل طلبات العمل، ولم يكن يُوافق على توظيف عِمالة غير التي قد وافق عليها مُسبقاً هناك.
كان مُضطراً إلى أن يبحث عن مجال عمل آخر، إلى أن تأتيه فرصة مُلائمة في إحدى شركات البرمجة، وذهب الصيني إلى واحدة من أكبر الشركات حالياً في العالم والتي لم تكن كذلك في وقته "Electronic Arts"، الشركة التي ستُصبح الأولى في إنتاج ألعاب الفيديو؛ وسيكون يان تيان هو السبب الرئيسي في ذلك.
حينما كان يان تيان واقفاً في مطار بكين الدولي، كان يحمل داخل الحقيبة التي تُمسكها شقيقته 1000 يوان صيني؛ وهو ما يُعادل أكثر من أجر عامها بالكامل في عملها التقليدي داخل الصين.
رحلة يان تيان، ذهاباً وإياباً؛ كانت مبنية على إذن اتخذه من إدارة الشركة، التي منحته الإذن بعد علمها بتعرض والده لجلطة استدعت وجود نجله بجواره، ثم عاد إلى عمله بعد أن تأكد بشكل قاطع من أن والده قد أُصيب بشلل تام وأن وجوده بجواره لم يعُد ذا فائدة حالياً.
في المدة الزمنية المتضاربة نفسها، كان يان تيان قد عرض فكرة غريبة على إدارة الشركة، التي رفضتها أكثر من مرة، والتي رأت أنها لا تُناسب النطاق الأمريكي أبداً؛ لكونها ليست الرياضة الأولى بالولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت ولا حتى في دولة كندا.
الفكرة التي طرحها يان تيان كانت لعبة فيفا "FIFA" التي ستُصبح فيما بعد، أفضل نسخة في تاريخ ألعاب الفيديو، والتي تُصدر منها نسخة موسمية يتصدر غلافها بشكل دائم أحد نجوم العالم، وستُعرف اللعبة بطريقة تجعلها أشهر حتى من الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي سينفصل عنها في عام 2023 بعد شعوره بالفوقية الشديدة من اللعبة التي اتخذت اسمه منفعة لها!
لعبة فيفا.. الفكرة العبقرية تخرج للنور
الفكرة العبقرية خرجت للنور أخيراً؛ في عام 1993، حينما عاد يان تيان إلى كندا، وسَمع أفضل خبر يُمكنه أن يسمعه: "سيتم تقديم موعد إصدار اللعبة!".
لم تكن لعبة فيفا أو كرة القدم بالعموم مهمة بالنسبة لكندا والولايات المتحدة الأمريكية؛ لكون كرة التنس وكرة السلة أشهر منها في القرن الماضي بهاتين الدولتين، ويان تيان في الأصل لم يكن هو المُبرمج الخاص بلعبة فيفا لكرة القدم، بل أسندت الإدارة إليه مهمة تطوير لعبة التنس التي لم يكن يفهم تيان أي شيء بخصوصها.
وبعد عناء لمحاولة التحرك لأول خطوة؛ قرر يان أن يذهب لمديره ويُخبره بأن يمنحه لعبة يمكنه أن يتعامل معها ويفهمها، فوافق المدير على فكرة "فيفا" لكرة القدم والتي كانت تلقى استحساناً كبيراً عند الرجل الصيني؛ لكونه يُحب كرة القدم في الواقع.
كان مدير يان تيان يمشي في الأرجاء، داخل الشركة، أثناء غياب يان تيان لمرض والده، من بعيد كانت الأصوات تتعالى والموظفون يهتفون في سعادة بالغة.
اقترب المدير وصوّب نظره داخل الشاشات التي يلعب عليها هؤلاء؛ واتضح أنها عمل يان تيان العبقري، لعبة فيفا، التي أدرك المدير حينها أنها ستُحقق نجاحاً باهراً إذا تم تقديم موعد إصدارها.
وبهذا؛ تم تقديم موعد إصدار لعبة فيفا 93، التي كانت أول نسخة للعبة، ولم تكن إلا تجربة يُنفق عليها نحو 30 ألف دولار أمريكي، ووصلت تكلفة إنتاجها في أيامنا الحالية لأكثر من 600 مليون دولار.
ومع تزايد الطلب عليها، وأيضاً مع تفوقها، بات على يان تيان وفريقه الذي كوّنه بسبب ترقيه في عمله، أن يعملوا لأكثر من 16 ساعة بشكل يومي، لتطوير اللعبة التي أصبحت أقرب إلى الواقع بكثير عن أول نسخة صدرت منها.
وأول نسخة لـ"فيفا"، حاول يان تيان خلالها أن يُطور من تمركزات اللاعبين وأيضاً من مراكزهم في كل رقعة من الملعب، وهو أمر قال عنه تيان إنه كان أصعب ما في اللعبة بالنسبة له كمبرمج.
كيف ساهم يان تيان في تطوير كرة القدم الواقعية؟
لم يكن يان تيان، في ظل الظروف الصعبة التي عاشها بمرض والده، وهو على عجلة من أمره للعودة إلى كندا لاستكمال عمله، يعلم أن الفكرة التي طرحها كمجرد فكرة على الطاولة؛ ستكون السبب الرئيسي لتغيير حياته للأبد.
ورغم أن اسمه ليس مشهوراً، فإنه لم يساهم في تطوير لعبة فيفا فحسب؛ بل ساهم دون قصد في تطوير لعبة كرة القدم الواقعية أيضاً، حينما قدم "تعليماً بلا نية" بحيث جعل فرق كرة القدم وعناصرها تستفيد بشكل واقعي، سواء عن طريق الاستمتاع أو حتى التطور كأفراد.
النجم النيجيري أليكس إووبي، نجم نادي أرسنال السابق وإيفرتون حالياً، قال إن أرسين فينغر حينما كان يدفع به في التشكيلة الأساسية رفقة نادي أرسنال؛ كان إووبي يعلم تماماً ما سيفعله حينما يرى أي لاعب من الخصوم واقفاً أمامه، عن طريق استرجاع طاقات اللاعب وتحركاته داخل لعبة فيفا التي كان يُمارسها إووبي بشكل شبه يومي.
حتى النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، في عام 2015 حينما راوغ الألماني جيروم بواتينغ بطريقة غريبة؛ قال بعد اللقاء إنه فعلاً ذلك دون تفكير، كانت ثانية فارقة في قرار لم يُخطط له.
لكن الحقيقة هي أن التفكير الذي يتحدث عنه ميسي؛ ربما كان نابعاً في الأصل بشكل كبير من تأثره بممارسة لعبة فيفا أو ألعاب الفيديو بشكل كبير، حيث قال ميسي في العديد من المرات إنه، في وقت فراغه، يستخدم لعبة فيفا لمضايقة خصومه من جميع دول العالم بلعب مباريات خاصة بلعبة فيفا عن طريق "الأونلاين".
ميسي لا يُحب الخسارة في لعبة فيفا أبداً؛ هو بنفسه من قال هذا الأمر، ويرى أنه يستمتع كثيراً بها ويتعلم منها بعض التكتيكيات الخاصة بنادي برشلونة والتي حاول تطبيقها كثيراً أثناء ممارسته رياضة كرة القدم؛ فيكتور فاسكيز، الرجل الذي كان زميلاً لميسي في نادي برشلونة، كان يقول إن ميسي يهتم كثيراً بألعاب الفيديو وجهاز البلايستيشن الخاص به.
ويقضي عليهما ساعات طوالاً في تعلم أشياء جديدة تنفعه في ممارسة كرة القدم الواقعية داخل أرض الملعب، وليس ميسي فحسب، بل حتى النجم الألماني ماتس هوملز، قال إنه يسترجع بعض المعلومات من اللعبة حينما يلعب في المباريات الرسمية ويُحاول أن يتفادى بعض الأخطاء ويُطور من أخرى.
ولهذه الأسباب وأكثر؛ كان يان تيان هو الرجل الذي قدم لأمريكا الشمالية في البداية، والعالم في يومنا هذا، اللعبة "فيفا" الأكثر إمتاعاً على مر التاريخ، والتي نقلت أشخاصاً واقعيين إلى شخصية مُجسمة يتم تحريكها عن طريق عصا تحكم عن بعد، يمكن من خلالها أن تربط المشجع بلاعب يُدربه أو يُسجل به أهدافاً، وليس فقط لاعباً يُشاهده يلعب في دولة أخرى خلف شاشة التلفاز.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.