كثرتْ المُحبطات والمُثبِّطات من حولنا، وانتشر أثرها في نفوسنا، حدَّ أنّها أخذت تأكلنا دون أن تترك خلفها إلا حزنها المقيم فينا. فصار الواحد منّا، جرَّاء تَكَالبها عليه، لا يشعر بأيِّ فُسحةٍ في نفسه، بل يشعر بأنَّ جسده كالثوب الضيّق عليه، ذلك الثوب الذي يريد أن يخلعه لكي ينال حريته.
وإذا أمعنت النظر في حالنا، لوجدتنا نخرج من يأسٍ فنتعثّر في آخر، ونهرب من سقوطٍ فنهوي إلى أخيه، كأنَّ حياتنا لا تعدو كونها سلسلةً من المآسي التي تكوِّن شُخوصنا، وتشكِّل أوجاعنا.
والمشكلة هنا أننا لا نهوِّن على بعضنا، بل ننُفِّس عن غضبنا وإحباطنا بطرقٍ تؤذينا وتؤذي الآخرين. وإنّي لأتساءل هنا: لماذا نُساير هذا اليأس والإحباط هكذا؟ ولماذا لا نحافظ على حياة أملنا؟ هل استعذبنا الانكسار وزهدنا في الانتصار، أم هي همومٌ شخصيةٌ طفتْ على السطح الآن؟
إنّ اليأس صار ظاهرةً جماعية متفشيّةً في الشباب قبل الشيوخ. بل ستجده في كل شارع، حيث لا أحد يقدر على كَنْسه، وستراه يَرهَقُ وجوهَ العابرين، ويتدلَّىٰ من عيون المساكين، ويأخذ بتلابيب الباعة المتجوّلين. ستجده في دمعات العانسات، وحسرات الباحثين عن العمل. ستتلمّسه في الأقدام الخائفة من الخَطو، والحناجر التي جفَّتْ مِن الشدو. فالناس يسيرون مَبتوري الأمل، فاقدي الروح؛ لأنّ السماء فوقهم لا تضخُّ الهواءَ للحياة، بل الموت الصعب. والكلُّ هنا مشاركٌ في هذا الجُرم الشنيع، ولا أستثني أحداً. الكلُّ يُسهِم في هذا اليأس العام بطريقةٍ أو بأخرى. الكلُّ يرغي ويزبد في أمورٍ يعتبرها من النِّكات المضحكة، لكنّها أقسى من الرصاص.
والحال أنّ الأمر لا يستدعي التنكيت، ولا يليق به التبكيت، فهو أضعف الإيمان ها هنا، لأنّه لن يُغني عن قدرٍ واقع. وحلُّ المشاكل لا ينبع أبداً من البكاء عليها، وإنما يكمن في أخذ خطوةٍ جديةٍ نحو التغيير. وافهم يا صاحِ أنّك إن لم تستطع تغيير مجتمعك، فإنّك تستطيع تغيير نفسك، وهو أصعب لو تعلم. أجل، إن التغيير يبدأ من ضبط الإيقاع الموسيقي لضحكتك، فاجعل إيقاعها صادقاً، وليس مشحوناً بالأسى الخفيّ والزيف الجَليّ.
فأَمْسِك عليكَ يأسك، واطرده خارجك. لا تدعه يتمازج مع الأمل بداخلك، لأنّه سيأتي عليه، ولن يترك لك إلا الجفاف المؤلم. ونحن والله لأحوج الناس إلى من يبتكر سلالاتٍ جديدة من الأمل، وأعوَزُ إلى من ينشر الابتسامات في كل مكان.
لقد تعبنا من اليأس.. ذلك الروتين الحكومي الذي فُرِضَ علينا. تعبنا من الكوميديا السوداء، من سيرنا هكذا بلا روح، وبلا انتظار للقادم. نتمنى أن نقول من أعماقنا إنّ الأجمل قادم. وهذا لن يحدث إلا إذا حافظنا على حياة أملنا.
خليقٌ بنا أن نحميه من كل شيءٍ يُزهِق روحه، وأن نعامله معاملة القلب، إذ كما أن الحياة لا تصلح بدونه، فكذلك الحياة لا تصلح بدون الأمل!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.