للسياسة الخارجية الأمريكية أهداف معلنة، مثل حماية الولايات المتحدة ومصالحها ومواطنيها في كل مكان، والحفاظ على الوصول إلى الموارد الرئيسية والأسواق، والحفاظ على توازن القوى في العالم بشكل يدعم تفردها بقيادة النظام العالمي، وحماية حقوق الإنسان والديمقراطية.
رغم ذلك لطالما دعمت الولايات المتحدة انقلابات عسكرية ضد حكومات ديمقراطية منتخبة حين جاءت الانتخابات بنظم يسارية أو موالية للاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة أو بنظم ذات توجه إسلامي بعد انتهاء الحرب الباردة.
ففي أمريكا اللاتينية دعمت انقلابَ عامِ 1964 في البرازيل ضد الرئيس جواو غولار، وفي تشيلي عام 1973 كانت الولايات المتحدة تخشى تجربة اشتراكية ناجحة في المنطقة، فدعمت وهيأت لقيام انقلاب عسكري دموي أطاح بالحكومة المنتخبة التي كان يقودها الرئيس اليساري سلفادور أليندي.
بينما في الأرجنتين عام 1975 دعمت انقلاباً أطاح بالرئيسة إيزابيل بيرون في انقلاب عام 1975، فبدأت الديكتاتورية العسكرية للجنرال خورخي فيديلا.
إذا وصفت الحكومة الأمريكية تغييراً في الحكم في أي دولة بأنه انقلاب عسكري، فإنه يجب على الحكومة الأمريكية وقف جميع المساعدات الأمريكية لهذا البلد.
ولكن دائماً الحكومات الأمريكية تتلاعب بمصطلح الانقلاب، فإذا قام به عسكر غير موالين لأمريكا على حكومة حليفة لأمريكا فهو انقلاب عسكري، ولكن إذا قام به عسكر موالون لأمريكا وتدربوا فترة من حياتهم العملية في أمريكا وضد حكومة ليست موالية لأمريكا، فإنها لا تصف ما حدث بالانقلاب العسكري وتصفه بتغيير في نظام الحكم لتستمر في دعم النظام الجديد الحليف، كما حدث في مصر والسودان.
لماذا تتردد واشنطن اتجاه انقلاب النيجر؟
وما يحدث في النيجر اليوم يوضح تلك النقطة، فما زالت واشنطن لا تدعم التدخل العسكري حتى الآن لإسقاط الانقلاب مثل ما تقترح فرنسا، بل على غير العادة ترى أن الدبلوماسية أفضل طريقة للحل في النيجر.
إذ نشرت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية تقريراً يلقي مزيداً من الضوء على الموقف الأمريكي من الانقلاب في النيجر، ويركز على علاقة واشنطن بأحد قادته، حيث تعتبر النيجر، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في القتال ضد المتشددين بغرب إفريقيا.
وهنا يتضح أن الموقف الأمريكي يبدو منصبّاً على هدف رئيسي وهو ضمان استمرار وجودها العسكري في غرب إفريقيا ولا تضطر واشنطن إلى سحب قواتها وترك الساحة شاغرة لتشغلها ميليشيات فاغنر الروسية، وربما يتحقق هذا الهدف بغض النظر عن عودة بازوم إلى السلطة من عدمه.
تاريخ واشنطن في دعم انقلابات الشرق الأوسط
أما عن الشرق الأوسط فيعود تاريخ الدعم الأمريكي للانقلابات هناك لخمسينات القرن الماضي، إذ بدأ بتنفيذ انقلاب ضد رئيس الوزراء المنتخب محمد مصدق في إيران عام 1953، حيث كونت شبكة قوية من العلاقات في إيران احتوت على أكثر من 100 عميل وبدعم سنوي تجاوز المليون دولار، دبرت تنفيذ عملية "أجاكس" انقلاباً على رئيس الوزراء الإيراني آنذاك، وسطرت واشنطن بذلك بداية تدخلها السافر في تقرير مصائر شعوب المنطقة.
بينما رفضت أمريكا وصف ما حدث في مصر عام 2013 وما حدث في السودان 2021 بالانقلاب العسكري ورفضت إدانة انقلاب الرئيس التونسي على الحكومة والبرلمان المنتخبين وتغييره الدستور بإرادة منفردة.
هذه الازدواجية ببساطة في السياسة الخارجية الأمريكية تعمل عندما تأتي الانتخابات الحرة بحكومات ليست حليفة لواشنطن، فتعمل وتشجع على عرقلة وعزل هذه الحكومات، كما فعلت حينما دعمت محمود عباس في الانقلاب على نتائج الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة التي فازت بها حماس في عام 2006.
ومؤخراً وبجهود غير معلنة وكعقاب لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الذي حاول الاستقلال عن السياسة الخارجية الأمريكية واتخاذ مواقف محايدة دفعت البرلمان لعزله عن رئاسة الحكومة بضغط قيادات الجيش ذات النفوذ القوي والمدعومة أمريكياً، وقبل أن تعقد الانتخابات في العام الحالي تم صدور حكم على عمران خان بحبسه ومنعه من العمل السياسي 5 سنوات.
والجدير بالذكر أن وقبل أسابيع من الإطاحة، في أبريل/نيسان الماضي، بعمران خان كان يتحدث علناً عن وجود مؤامرة أمريكية هدفها الإطاحة به من منصبه، ووصف التحرك البرلماني لعزله بأنه محاولة لتغيير النظام بدعم من الولايات المتحدة.
إن أجندة واشنطن الخارجية لدعم الديمقراطية تعمل فقط في بلدان مثل جنوب شرق آسيا وشرق أوروبا، لأنها تسفر دائماً عن نظم حليفة لمصالح الغرب والولايات المتحدة.
ولكن في منطقة الشرق الأوسط ولوجود صراعات تاريخية وثقافية بين شعوب المنطقة والغرب، بالإضافة لوجود إسرائيل والرفض الشعبي العارم لها، تدرك واشنطن أن أي مسار ديمقراطي حقيقي في الشرق الأوسط غالباً سيؤدي لفوز نظم ليست حليفة لها ومعادية لإسرائيل بل ربما تحاول هذه النظم المنتخبة وإرضاء لناخبيها أن تحافظ على ثرواتها الطبيعية، وفي مقدمتها البترول، وقد يتصادم ذلك مع المصالح الأمريكية والغربية.
ولهذا تدعم الولايات المتحدة نظماً استبدادية قمعية في الشرق الأوسط وتتغاضى عن قيمها التي تعلنها دائماً من دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فمصالح الولايات المتحدة وشركاتها البترولية وأمن إسرائيل لهم الأولوية على نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقة مضطربة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.