(هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً)، بأسلوب القرآن الكريم الفائق الرقي تلخص الآيات السابقة عملية الإخصاب، أما التفاصيل فهي أن الحيوانات المنوية تمر مع السائل من الرجل إلى زوجته، ثم تعبر عنق الرحم إلى تجويف الرحم، ثم تمر عبر قناتي فالوب؛ حيث تلتقي بالبويضة الخارجة من جسم المبيض، إذا تم لحيوان مِنوي واحد اختراق غلاف البويضة والالتحام بالنواة يحدث الإخصاب، وتعود البويضة المخصبة بعدها لتنزرع في تجويف الرحم.
إذاً فإن منع الحمل يحدث بأي طريقة تمنع حدوث المتوالية التي أشرنا إليها، من طرق منع الحمل ما يمنع دخول السائل المنوي إلى العضو التناسلي الأُنثوي مثل الواقي الذكري والواقي الأنثوي، كذلك تقوم بعض الموانع إذا وضعت في العضو الأنثوي بإفراز مادة تمنع حركة الحيوانات المنوية.
بعض وسائل منع الحمل تزيد كثافة المادة التي يفرزها عنق الرحم فلا تستطيع الحيوانات المنوية النفاذ عبرها إلى تجويف الرحم، مثال ذلك موانع الحمل وحيدة الهرمون، ومنها حبوب تؤخذ عن طريق الفم، أو إبر عضلية كل أشهر، وكذلك شرائح تحقن تحت الجلد فتمنع الحمل عدداً من السنوات. اللولب الذي يوضع في تجويف الرحم يقوم باستحداث تفاعلات تمنع مرور الحيوانات المنوية، كما تجعل تجويف الرحم غير مناسب لاستقبال البويضة. وقد عرفه العرب قديماً، إذ إنهم كانوا يضعون حجراً في رحم البعير فلا تستطيع الحمل، ولا تتضرر به.
أما وسائل منع الحمل ثنائية الهرمون فتقوم بمنع الإباضة، وتوجد على شكل حبوب تؤخذ بالفم أو حلقات بلاستيكية توضع في العضو الأنثوي. وهناك ما هو على شكل لصقات توضع على الجلد.
بعض الأزواج يفضلون الاحتياط خلال فترة الأمان النسبي، وتعتمد هذه الطريقة على دراسة جدول الدورة الشهرية للزوجة خلال عدد من الأشهر، وتحديد اليوم المتوقع للإباضة، وحيث إن حياة البويضة تنتهي خلال يومين على الأكثر، فإن على الأزواج الامتناع عن العلاقة الزوجية ثلاثة أيام قبل الموعد المتوقع للإباضة وثلاثة أيام بعدها. والموعد المتوقع للإباضة عند الإناث، هو الذي يسبق ميعاد الدورة المتوقعة بأربعة عشر يوماً، وإذا كانت مواعيد الدورة منتظمة، فإن هذا الموعد دقيق إلى حد كبير.
تقاس فاعلية وسائل منع الحمل بعدد السيدات اللواتي يحملن خلال عام رغم التزامهن باتباع طريقة منع الحمل المقصودة طوال السنة، وعليه فإن هناك موانع عالية الكفاءة، أي لا يتوقع أن يزيد عدد من يحملن عليها عن اثنين في الألف ومثال ذلك الشرائح التى تحقن تحت الجلد واللولب الهرموني، كل وسائل الحمل الهرمونية الأخرى وكذلك اللولب غير الهرموني موانع كفؤة، أي إنه لا يتوقع أن تزيد نسبة من يحملن عليها عن اثنين إلى ثلاثة بالمئة طوال سنة الاستعمال. باقي موانع الحمل تعتبر منخفضة الكفاءة، يعني أن نسبة من يحملن عليها تصل إلى خمسة عشر في المئة.
لا يتوقف اختيار مانع الحمل على الكفاءة فقط، ولكن على مناسبته لمن تحتاجه، مثلاً:
هناك مجموعة أسئلة يجب أن نفكر فيها عند اختيار منع الحمل، مثل سهولة الاستخدام، قد لا يناسب مانع الحمل الذي يؤخذ يومياً سيدة لديها أعباء كثيرة تجعل التذكر صعباً، أو أن مواعيد عملها متغيرة كالممرضات، إذ قد يأتي توقيت تعاطي المانع وهي خارج منزلها فيصعب عليها الحصول عليه إن فاتها أن تحتفظ به في حقيبتها اليدوية، ولذلك نفضل هنا موانع الحمل التي لا تحتاج للمداومة يومياً، كتلك التي تأتي على شكل إبر أو حلقات مهبلية أو لولب يثبت داخل الرحم أو شريحة.
من أهم ما يجب مراعاته الأمراض التي تعالج منها المرأة والأدوية التي تتعاطاها وحساسية جسمها نحو بعض العلاجات، ولذا فإن الأطباء عادة يراجعون عند إعطاء موانع الحمل جداول تصدر عن منظمة الصحة العالمية وتُحَدَّث دورياً، هذه الجداول تصنف لكل مرض الخيار الأفضل من موانع الحمل، فإذا كان مانع الحمل مصنفاً من الفئة الأولى، فإن هذا يعني أن المرأة يمكن أن تتعاطاه دون قيود، وإذا كان مصنفاً من الفئة الثانية، فإن هذا يعني إمكانية تعاطيه بشكل آمن مع احتياطات بسيطة، وأما إن كان المانع من الفئة الثالثة، فلا ينصح به إلا إن لم يكن هناك خيار آخر متاح ولفترة قصيرة، وأما الفئة الرابعة فلا ينصح مطلقاً بتعاطيها، ومن النادر ألا تجد أي امرأة ما يناسبها من الفئتين الأولى أو الثانية.
وهناك اعتبارات أخرى، فالتدخين مثلاً يجعل بعض وسائل منع الحمل ممنوعة لمن هم في سن يزيد على الخامسة والثلاثين مثل الموانع ثنائية الهرمون.
كما بعض موانع الحمل لها فوائد إضافية قد تجعلها الخيار الأفضل عند الكثيرات، فمن السيدات من تفقد كميات كبيرة من الدم خلال الدورة الشهرية لدرجة قد تتسبب لهن بفقر دم شديد، موانع الحمل ثنائية الهرمون، أو اللولب الهرموني، يصبحان الخيار الأمثل لأنها تقلل من خسارة الدم وتساعد على علاج فقر الدم، وهكذا.
تكلفة مانع الحمل أحد الأسباب التي نحتاج إلى مراعاته، مثلاً السيدات اللواتي يردن منع الحمل فترة بسيطة، يكفيهن أقراص منع الحمل لتفادي التكلفة التي تترتب على استعمال مانع حمل ممتد الفاعلية.
سهولة الوصول إلى الطبيب للاستشارة في بعض الحالات قد تشجع على بعض الاختيارات، ماذا تفعل المرأة لو اكتشفت بعد حصول الاتصال الجنسي أنها قد نسيت أخذ مانع الحمل اليومين السابقين؟ التواصل العاجل مع الطبيب مهم، هنا يصف الطبيب جرعات مكثفة من هرمونات منع الحمل خلال أول ثماني وأربعين ساعة أو يقوم بتركيب لولب قبل مرور خمسة أيام على حدوث العلاقة.
ونجاح هذا الأسلوب العلاجي في منع الحمل عالٍ جداً.
والخلاصة أن اختيار مانع الحمل المناسب يعتمد على حيثيات كثيرة يأخذها الطب بعين الاعتبار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.