"ميسي شخصية لا تُطاق!".. لم تكن هذه الكلمات من وحي الخيال؛ بل كان حديث الصحفي البريطاني جون كارلن، الرجل الذي تقابل مع ليونيل ميسي عدة مرات، وأجرى معه أكثر من حوار، ثم استقر إلى هذا الرأي الغريب.
ولم يتوقف تصريح جون كارلن عند هذا الحد، بل قال أيضاً إنه لن يُجري أية مقابلة بعد الآن معه بسبب فتوره وغموض شخصيته خلال معظم اللقاءات التي يُجريها، ويبدو كأنه لا يفهم من هو ولا ماذا عليه أن يفعل على أقل تقدير!
هذا الحديث لم يكن افتراء على النجم الأرجنتيني بالمناسبة، منذ 5 سنوات تقريباً، تحدّث السياسي الأرجنتيني لويس ماخول عن ميسي، وأجرى معه مقابلة، وأشار إلى شيء على الطاولة بينهما.
كان الشيء هو "علبة مياه غازية من شركة كوكاكولا"، حينما أشار لويس ماخول إليها قال له إنك أشهر من هذه العلامة التجارية الكبيرة، لكن رد اللاعب الأرجنتيني كان فاتراً، وهز رأسه كأنه يقول: لا أعلم… لا أهتم، لا أتصرف على هذا النحو أبداً؛ فدُهش لويس ماخول من سذاجة رد ميسي!
القائد المُخضرم للمنتخب، خوان سباستيان فيرون، قال إن في شخصية ليونيل ميسي شيئاً يلفت إليه الأنظار؛ إنه لا يتحدث إلا في حدود، ولا يتكلم إلا إذا طُلب منه ذلك، يتذكر خوان سباستيان فيرون تلك الليلة التي فُرض فيها على النجم الأرجنتيني ميسي أن يُلقي خطاباً للمنتخب في كأس العالم عام 2010 في جنوب إفريقيا.
شاهد فيرون كيف كان ميسي متوتراً، وكيف قضى ليله بالكامل يُفكر كيف سيُلقي خطاباً تحفيزياً لمدة ثوانٍ، لكن الأمر بدا بالنسبة له وكأنه 100 عام!
كان على ميسي أن يخرج من هذا الحيز الضيق؛ الحيز الذي صرّح فيه خوان سباستيان فيرون بأن ميسي من النوعية الخجولة المُنطوية، يُفضّل أن يُرسل إليك رسالة نصية على أن يتحدث معك وجهاً لوجه، يُحب أن يرتدي الشارة، لكنه لا يُحب أن يظهر بصفته البطل الأوحد في الفريق.
خبيرة لغة الجسد، جودي جيمس، أقرت بهذا الأمر جملةً وتفصيلاً؛ حيث قالت إن من دراستها لمعظم مقابلات ميسي، اكتشفت أن هذا الرجل يبدو غريب الأطوار بشكل لا يُمكن التغاضي عنه!
إنه لا يتمتع بحاسة الغطرسة التي يتمتع بها معظم المشاهير، في عالم كرة القدم وخارجه، إنه إنسان عادي للغاية، لغة جسده تشرح هذا الأمر بشكل تفصيلي، وهو في الأصل لا يستطيع أن يتحدث بغطرسة لأنه لا يرى نفسه على هذا القدر الكبير من الشهرة؛ لذا لا يُظهر أية ردة فعل على معظم المقابلات، فيشعر المُحاور بالبرود وتنهار قيمة ميسي في عينه.
لغة الجسد كانت مهمة بالنسبة له..
في وقت من الأوقات، خرج أرسين فينغر، المدرب التاريخي لنادي أرسنال الإنجليزي، بتصريح اتفق معه المدرب الألماني يواكيم لوف عن مضمونه.
كان حديث فينغر، بخصوص النجم الألماني التركي مسعود أوزيل؛ حيث قال فينغر إن أكبر مشكلة تُواجه مسعود أوزيل ليست مستواه، فهو عادةً ما يكون من أفضل لاعبي الميدان بأي قميص يُمثله.
مشكلته الكُبرى، أنه لا يتمتع بلغة جسد جيدة؛ قادرة على محو هذا الفارق الكبير في معظم الانتقادات التي ينالها، وأغلبها لا يستحقه، كان على أوزيل أن يرفع رأسه قليلاً، ويرفع معه مستوى كتفه؛ حينما تلتقطه عدسات الكاميرات عند كل هزيمة.
هذه المشكلة هي ما تدفع الناس إلى النظر وراء إخفاقه أكثر من مستواه نفسه؛ لغة الجسد تكون فاصلة ومحورية في تقييم معظم النجوم في مباريات حساسة، حيث يُصدّر اللاعب لك صورة واقعية عن حالته أثناء المباراة من وضعية جسده.
هذا الأمر بالضبط، كان ينطبق أيضاً على ليونيل ميسي، اللاعب الذي ظل لسنوات محل انتقادات قاسية ولاذعة بحق لغة جسده؛ حيث يُخفق مع برشلونة وأيضاً مع الأرجنتين.
كان ميسي، كلما وُجهت نحوه عدسات الكاميرا، تجد رأسه منخفضاً ومستوى كتفه يُوحي بالهزيمة؛ هذه اللمحات تُوحي بأنه يائس لا يستطيع التحكم في زمام الأمور.
لكن في أرض الملعب، كانت لغة جسده هي الانتصار المثالي له على كل خصومه؛ لقد تمكن ميسي طوال مسيرته من الفوز بمعارك قائمة على الإيحاء!
نعم، الإيحاء ليس إلا، ميسي نفسه لا يعرف كيف يُراوغ، لكنه يعرف أن هناك وسيلة يُمكن اتباعها بسهولة شديدة؛ أن يضع نفسه في مواجهة فردية مع كل لاعب يتحداه ويتجرأ على مواجهته.
ثم يتريث على الكرة، ويضع كتفه في جهة، فيتحرك اللاعب ناحيتها، ويتحرك هو في الجهة المضادة، هذا ما يُعرف بـ "Drop off "shoulder"، وإذا بحثت عن كلمة "Messi's body feint" على منصة اليوتيوب، ستكتشف أن معظم مواجهات ميسي الفردية في المراوغات، قائمة في الأصل على إيحاء جسدي خالص منه.
قد يكون موهوباً في اتخاذ قرارات حاسمة، ويُراوغ بطريقة فاتنة، لكنه يعرف كيف يستخدم نقطة ضعفه بالنسبة للجماهير، كنقطة قوة مُفرطة على حساب خصومه.
في هذا الصدد، أخبرنا المدافع الألماني السابق، شتيفان راينارتس، لاعب نادي باير ليفركوزن الألماني، بأن هذا ما اكتشفه في معظم مبارياته أمامه؛ حينما يتحرك ميسي في جهة، فإنه يخدعك لتذهب نحوها، ويعكس حركته للجهة الأخرى.
ضحايا ميسي يعترفون بأنفسهم..
قبل حتى الانضمام لفريق مانشستر سيتي الإنجليزي، ومنذ فترة بعيدة قبل كأس العالم 2022 في قطر، سُئل جوسكو جفارديول عن ميسي؛ فكانت إجابته: "نوعيته تأتي في القرن مرة واحدة".
مانشستر سيتي أعلن انضمام مدافع منتخب كرواتيا بشكل رسمي، وفي المقابلة الرسمية مع قناة النادي سألوه عن قدوته؟ فكانت إجابته: ميسي.
جفارديول قال إنه كان محظوظاً بمواجهة ميسي مرتين في نفس السنة بطريقتين مختلفتين: الأولى بقميص نادي باريس سان جيرمان الفرنسي في بطولة دوري الأبطال، وهذه كانت المواجهة الأسهل بالنسبة له، والثانية في إطار منافسات كأس العالم بقميص منتخب الأرجنتين، وهذه كانت صعبة ومعقدة؛ لأنه كان يلعب بحماس كبير، وكان من الصعب إيقافه، كونه أصغر في الطول وأقل في البنية الجسدية؛ وهذا ما يزيد من صعوبة تعطيله.
الجماهير عادة تتناول مراوغات المهاجمين للمدافعين بشكل ساخر من المدافعين، لكن جفارديول قال بعد اللقاء إن ما حدث له من ميسي هو شيء طبيعي ببساطة شديدة، وعلى عكس ما يُظنه الناس؛ فإن جوسكو جفاريدول لا يشعر بالحرج مما فعله به ميسي، بل إنه سعيد بالتجربة وسيحكيها لأولاده.
منذ حوالي 8 سنوات، كانت مباراة برشلونة وبايرن ميونخ، حينما راوغ ميسي المدافع الألماني جيروم بواتينغ بطريقة غريبة، وظل بواتينغ حديث الساعة بسبب المراوغة، بعد مدة سُئل على منصة تويتر عن الموقف فكانت إجابته: "أريد من كل من يتحدث عن طريقة مراوغة ميسي لي، أن يُريني ماذا سيفعل إذا كان يلعب مدافعاً أمامه؟".
ما يُميز ميسي أنه شخص انطوائي؛ وربما لذلك تزوج الفتاة التي أحبها منذ الصغر، فشلاً منه في الدخول في الكثير من العلاقات، انطوائي يرتاح في أماكن مُحددة ولا يستطيع تغييرها بسهولة ولا حتى يتأقلم على غيرها، ولنفس السبب يجد صعوبة في البحث عن أصدقاء في معظم المساحات التي يحل بها؛ وينجذب إلى لاعب أو اثنين في دائرة محددة، ويفتقدهم إذا رحلوا عنه بسبب الاحتراف أو حتى البُعد الإجباري في الحياة!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.