ماذا بعد الانكسار؟ عن الرواية العالمية ذهب مع الريح

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/05 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/05 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش

 
رواية تتحدث عن حياة فتاة حسناء من عائلة غنية، لعبت بها قصة حب فاشلة في بداية حياتها، وقادها تبدّل الظروف بسبب الحرب الأمريكية الأهلية، 1856- 1861، إلى تجارب حياتية صعبة، وزواج سريع آخر، ثم زواج ثالث من رجل أحبها بعمق ولم تعطه قدره، وتنتهي الرواية بموت ابنتهما وترك زوجها ريت باتلر لها، في اللحظة التي تدرك أنه كان قد أحبها بصدق.

صدرت الرواية عام 1936م ثم تحوّلت إلى فيلم سينمائي مدته 3 ساعات و42 دقيقة، أصبح في ما بعد من روائع الأفلام الأمريكية، وهي الرواية الوحيدة لمارغريت ميتشيل التي خلدت اسمها في تاريخ الأدب الروائي.
بعد الانتهاء من قراءة الرواية تنتاب القارئ حمى مشاعر مختلطة يصعب تمييزها، الحزن على ريت باتلر والشفقة، هذا الشعور ربما هو الذي دفع الروائي دونالد ماك كيغ إلى تأليف رواية بعنوان أناس ريت باتلر، في محاولة منه لتحسين صورة هذا البطل الجنوبي، ريت باتلر نموذج موجود في كل المجتمعات، المجتمع المرتبط بالعادات والتقاليد، وعندما يخطئ أحد أبنائه في دائرة أعرافه يرفضه وينبذه، فيصنع منه ولداً عاقّاً حرفيّاً، لو أن المجتمع كان أرحم قليلاً في نبذه، هل كان سيصوب ريت باتلر ويعود إلى دائرة مجتمعه؟

ميلاني، شخصية مثالية متفانية في التضحية، لتجد في نهاية الرواية أن ميلاني لم تكن مثالية بقدر ما كانت مثاليتها أسلوب حياة تعيشه لتحقق غايتها في العيش بأمان تحت مظلة سكارليت أوهارا، التي استطاعت أن تؤمن لعائلتها وعائلة ميلاني حياة كريمة، مقارنة بما خلفته خسارة الجنوب من حالة اقتصادية متردية للعائلات الجنوبية الثرية.

أشلي، الرجل الضعيف المهزوم، قد يكون استغل حب سكارليت ليبقى تحت كنفها؛ فهو أضعف من مقاومة التغيرات التي حصلت في المجتمع الجنوبي بعد تحرير العبيد.

ريت باتلر وسكارليت أوها، منبوذان من المجتمع الجنوبي القديم الأرستقراطي، قادران على التكيف مع التغيرات، صاحبا قوة وقدرة على البقاء، وبالرغم من نظرة الاحتقار والرفض مما بقي من مجتمعهما القديم، لكنهما الأكثر صدقاً وواقعية في الرواية، لكن نهاية الرواية هي البداية الحقيقية، البداية التي تأتي دائماً بعد الانكسار بوفاة ابنتهما بوني، ماذا لو كنت سأكتب رواية بوصفها جزءاً ثانياً ذات أحداث مستندة على مجتمعنا، سيكون فيها أشلي الضعيف الذي سيبقى ضعيفاً يرتزق من صدقات سكارليت أوهارا، التي بدورها فقدت كل حب لأشلي وإحسانها له من دافع الوفاء بوعدها لميلاني.

ريت باتلر هذا الرجل الذي فقد ذاته بموت بوني، ولم يعد يحتمل أي تعلق آخر، سيعود، ولكنه يعود لعائلته أكثر إيماناً وتورّعاً، وفي إحدى زياراته لسكارليت كما وعدها، تخبره بحملها وتولد لهما بنت أخرى، تعيد البهجة لقلبه، بعد ذلك لن يكون هناك الكثير من الأحداث التي تُروى، فبعد الانكسار تصبح الحياة مثالية وروتينية، وهنا أجد أن كاتبة الرواية قد أصابت في قرارها ألا تكتب جزءاً آخر للرواية، فلن يكون فيه الكثير من التشويق والروعة التي كتبتها في هذه الرواية، وأعطاها عمراً ممتداً عبر كل هذه السنين.

ماذا بعد الانكسار، لا شيء يُذكر، إلا إذا تجاهلنا نقطة التحول في ريت باتلر وسكارليت أوهارا، كما فعلت الكاتبة الأمريكية ألكسندرا ريبلي التي كتبت الجزء الثاني المثير للجدل، بوجهة نظري نجاح الجزء الأول الذي أصبح علامة من علامات الأدب الأمريكي أضفى نجاحاً تلقائياً على الجزء الثاني الذي صدر عام 1991.

الإعجاب بهذا العمل الأدبي الرائع لا يغادرك سريعاً، وتجد تشابهاً كبيراً بين شخصيات الرواية وشخصيات قد تكون عاصرتها وعايشتها في مجتمعك، ووقف قلمك عاجزاً عن كتابة ما أبدعته الكاتبة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إيناس مسلط
صيدلانية وكاتبة متنوعة
صيدلانية وكاتبة متنوعة، أكتب قصصاً قصيرة ومسرحاً ومقالات، ومحبة قارئة، أحمل كثيراً من الآراء من واقع خبرتي العملية في عملي السابق كصيدلانية. لديَّ كثير من الآراء في قضايا مجتمعية بهدف الإصلاح وتنوير الشباب، وأحمل فكراً إنسانياً بحتاً تستشفه من كتاباتي، ولا أحمل أي عنصرية دينية أو عرقية، وأتمنى لأفكاري وتجاربي الانتشار أكثر.
تحميل المزيد