تنشغل المجتمعات العربية، كغيرها من المجتمعات الدولية اليوم، بمتابعة الهزات المالية المتتالية، وارتفاع الأسعار الذي يعرف تغيراً صاروخياً يفوق قدراته، لكنه يجد نفسه مضطراً ليتعايش في الوقت نفسه مع هذه التقلبات السريعة، بدءاً من تقلب أسعار العملات، إلى إفلاس بعض الدول، ومنها العربية، وصولاً إلى تضخم الأسعار، وانهيار بنوك في العالم كبنك سيليكون فالي Silicon Valley و سيجنتشر Signature Bank وسيلفر غيت Silvergate Capital Corp، والهبوط المهول الذي يشهده سوق الأسهم، والتغير الذي شهدته منحنياتها على الشاشات.
الأمر الذي دفع البعض للتفكير جدياً في خلق حلول بديلة، مثل تجميد المال عبر شراء الأراضي والعقارات، أو شراء الذهب وادخارهِ، في حين نطالع آراء البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعتقد أن كل ما حدث هو مجرد مؤامرة للسيطرة على اقتصاد العالم.
حيث تفتح مواقع التواصل الاجتماعي الباب على مصراعيه لتحليل أي أزمة بالعالم، ومنها هذه الأزمة المصرفية، ونجد كثيراً من الناس ينجذب إلى التقولات، مع رفض تحليل الخبراء والمختصين، وسماع الأخبار الزائفة، التي لا تستند إلى مصدر، أو تلك التي تُحرّف وتُزيّف الوقائع وفق هواها ومبتغاها.
وللعلم، فإن هذه الأزمة ليست الأولى، فعلى مر التاريخ عرف العالم الكثير من الأزمات الاقتصادية، ولن تكون هذه الأخيرة. ورغم أننا في عالم الثابت فيه هو التغيير المستمر، فإن أمزجة الناس لا تتغير ممن يرفض أطروحات الأطر الرسمية، ورأي أصحاب الخبرة في أوقات الأزمات، انطلاقاً من سيطرة نظريات المؤامرة في هذا السياق، الأمر الذي تكرر، ولنا أن نتذكر، ما قيل عن لقاحات الكورونا، والجدل الذي أثير حولها.
ولا يقف الأمر عند تلك الشائعات، إذ تنطلق عواصف التهويل وتضخيم أزمة البنوك، منذرة بأن الاقتصاد العالمي على شفا حفرة من السقوط في غياهب المجهول؛ بينما نجد فريقاً يعتقد اعتقاداً جازماً، لا رجعة فيه، بأن هذه الأزمة مفتعلة، وأنها مجرد مسرحية، تهدف إلى نهب أموال المودعين والمستثمرين وتحويلها إلى جيوب القائمين على رأس المال العالمي، أو أولئك الأشباح الذين يحكمون العالم بشكل خفي!
وفي سياق آخر، ثمة من يرى أن هذه الأزمة تهدف إلى إنهاء التعامل بالعملات الورقية، تمهيداً إلى فرض التعامل بالعملات الرقمية، مثل البتكوين، والهدف أيضاً هو لسيطرة أولئك الأشباح على عالمنا.
ونجد كذلك في أقاويل الناس بأننا مقبلين على صراع عالمي سينهي كل شيء؛ إذ ستنقض الصين على الولايات المتحدة الأمريكية في أزمة البنوك، لتنهش اقتصادها، وليحلَّ في موقعها عالمياً، ويا لهولِ ما سيحدث ويؤثر بشكل سلبي على القدرة الاستهلاكية للمواطن البسيط الذي نجد البعض منه غارقاً في مأزق "الديون " لا يجد طريقة لتسديدها مما يدفعه للاستسلام وانتظار معجزة ما تحدث كي تنقذه، بعدما فقد الأمل في الحكومات لتخفيض الأسعار.
تبدو ردود فعل الناس على أي أزمة مالية مستحدثة، وكأنها تحدث للمرة الأولى، فيتناسى البعض وجود أزمات أقدم، وكساد سبق أن ضرب السوق العالمي، وقعت فيه العملات والبنوك، وتهاوت على الأرض، يتناسى هذا البعض.. التاريخ القريب من الذاكرة، وما حدث بالأمس القريب، حين ضربت الأزمة المالية قبل أكثر من عقدٍ من الزمان الأسواق العالمية في العام 2008.
وبين كل تلك التأويلات والشائعات يرتفعُ صوتُ الأسر المتوسطة التي تقاتل لأجل توفير لقمة العيش في هذه الأزمة، وتصرخ بأننا نعيش في عالم ليس لنا، عالم تفوق حاجاته طاقتنا. وبين هذا وذاك، وقيل وقال، نجدها تحتار بين من يختار الاحتفاظ بدراهمه في البنوك، ومن يختار الاستثمار، ومن يفضل الاستمتاع بها وهدرها خوفاً من أن تحين نهاية العالم.
لذلك، يبقى الرأي الراجح هو ما عهدنا عليه الأجداد "احتفظ بدرهمك الأبيض ليومك الأسود" ونصائحهم الدائمة حول أهمية الزراعة. وربما هذا هو المنطقي حتى لا ينهك هذا الارتفاع كاهل المواطن المطحون بشدة.
ولعل ما يحدث اليوم يدفعنا لإعادة النظر في الطاقة الاستهلاكية التي ازدادت بشكل غير منطقي، تباعاً للمظاهر الاجتماعية والعودة لأسلوب الحياة الذي تربت عليه الأجيال السابقة التي كانت تتمتع بالحكمة والوعي الذي يجعلها تعرف كيفية التعامل مع التقلبات الاقتصادية وتجيد تدبير أمورها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.