من الأسباب الرئيسية التي تدفعنا لمتابعة وتشجيع كرة القدم رغبتنا في الشعور بالانتماء والاندماج، بالإضافة إلى مجموعة من المشاعر الأخرى كالفخر والهوية. إذ تشعرنا هذه المشاعر بالسعادة؛ لذلك نستمر بالتشجيع، والسعادة هنا ليست بالضرورة تحقيق بطولات فحسب، بل أي شعور يأتي من فكرة الانتماء للفريق الذي نحب، كما قال إيرك سيمونز مؤلف كتاب "The Secret Lives of Sports Fans".
رغم ذلك، هذه المشاعر الإيجابية قد تؤدي إلى مشاعر سلبية تجاه الآخر أو ما يسمى التحيز الإدراكي. فعلى سبيل المثال، قد نبدأ بإطلاق أحكام نمطية وغير موضوعية تجاه أشخاص آخرين فقط لأنهم لا يشجعون نفس الفريق الذي نشجعه. وقد تنعكس هذه النظرة السلبية تجاه الآخر على الحياة اليومية وتؤثر على تعاملنا معه بشكل سلبي، إذ ربما نراه عبارة عن شخص ساذج، أحمق، لا حق له في الكلام لأنه لم يختر فريقنا يشجعه.
وقد لاحظ عالم النفس البولندي هنري تاجفيل ظاهرة مشابهة عندما كان يدرس مفهوم الهوية المجتمعية، وشرح أننا نصنف أنفسنا ضمن مجموعات مختلفة، وأن هذه المجموعات تشكل مصدر فخر لنا وجزءاً لا يتجزأ من هويتنا، سواء كان التصنيف بناء على (جنسية، عقيدة دينية، عرق، قبيلة، عائلة…) بناءً على ذلك التقسيم والتصنيف، يمكن أن يحدث تحيز لصالح أفراد المجموعة التي ننتمي إليها، مما يؤدي إلى إحساس بالانقسام وتبدأ ظهور "نحن" و"هم" بشكل واضح.
ولا يقف الأمر عند ذلك، بل تتم تغذية هذا التقسيم بمجموعة من الشعارات التي تجعل كل فرد في جماعته يشعر بالانتماء الشديد، المشكلة تكمن أن مع تزايد هذا الشعور يزداد الإحساس بالأفضلية في الحياة بشكل عام، نظراً لأنه يقتنع أنه اختار الأصح، رغم ذلك يقع في هذا الفخ الجميع.
يقول المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه "سيكولوجية الجماهير": "ليست الوقائع بحد ذاتها من يؤثر على المخيلة الشعبية وإنما طريقة عرضها بحد ذاتها، إن معرفة فن التأثير على مخيلة الجماهير تعني معرفة فن حكمها".
يرى لوبون هنا أن الشعارات الرنانة والكلمات المعقدة لها تأثير شديد علينا، بغض النظر عن كونها مهمة أو مجرد هراء، إذ يوضح مدى تأثيرها بقوله إنها "قادرة على بناء هرم أكثر ضخامة من هرم خوفو من عظام الضحايا التي هيجتها الكلمات والعبارات".
أي بمعنى أن يتم استخدام هذه الشعارات من قبل الحكام والمسؤولين في كل مكان لخداع الجماهير من أجل السيطرة عليها وتحريكها، إذ كما يقول لوبون: "لا يمكن تحريك الجماهير والتأثير عليها إلا بواسطة العواطف المتطرفة وبالتالي فإن الخطيب الذي يريد جذبها ينبغي أن يستعمل الشعارات العنيفة، ينبغي أن يبالغ في كلامه ويؤكد بشكل حازم ويكرر دون أن يحاول إثبات أي شيء عن طريق المحاججة العقلية".
من هذا المنظور، ندرك أنه عند التحدث عن مبادئ وأخلاقيات لأي كيان كفريق كرة قدم معين على سبيل المثال، قد يكون هذا مجرد شعارات تساهم في تشجيع الجماهير والمحفزات للفريق ليس إلا. بينما عندما نتساءل عن سياسات إدارة هذا الفريق من قبل إدارته، فقد تكون هذه الشعارات غير مؤثرة بالضرورة على النادي نفسه وطريقة إدارته، فهناك مساحة لتجاوز هذه المبادئ والشعارات من أجل تحقيق أكبر فائدة للفريق.
وإذا أخذنا هذا الشرح للحديث عن صفقة انتقال اللاعب إمام عاشور مؤخراً، والضجة التي تثار حول انتقاله للنادي الأهلي المصري وأنها ستضر بالنادي ومبادئه، فسنفهم أنه كلام ساذج إلى حد ما، فليس هناك من سيتضرر من قدوم لاعب جيد للفريق، ولن يتوقف النادي عن تحقيق البطولات أو الوصول إلى النهائيات، ولن تقف الجماهير عن تشجيعه.
وإذا كان هناك أحد سيتضرر (إذ كان هناك أحد سيتضرر من الأساس) سيكون الجماهير التي ستدرك أخيراً أنه لا وجود لما يسمى شعارات أو مبادئ على الأقل بالشكل الذي يرتبط في مخيلتها، ببساطة المشجعون هم من اختاروا تصديق تلك المبادئ بغض النظر عما إذا كانت حقيقية أم لا، لإرضاء رغباتهم في الشعور بالانتماء والفخر والهوية وغيرها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.