قالت: لا أريد إصلاحاً.. لقد كرهته بكل كياني.. كرهت كل شيء فيه.. كرهت اعتذاراته.. كرهت وعوده الكاذبة بالتغيير.. يأخذ كل شيء عنوة.. حتى الحب يأخذه عنوة.. يغار عليّ بجنون حتى أقعدني حبيسة خوفي منه..
قد تتخيل سيدي أنني سيدة عاملة، بارعة الحسن حتى يغار عليّ زوجي بهذه الطريقة.. ولكن دعني أخبرك أنني ربة منزل عادية.. ممن يغار عليَّ إذن؟!.. يغار عليّ من كتاب في يدي.. يغار مِن إخوتي.. يغار من صديقاتي.. يغار من هاتفي.. بل يغار عليّ من أي شيء أُبدي له اهتماماً غيره.. يتوهمني أرغب في كل الرجال سواه.. ويعلم الله أنني لم أعرف في حياتي رجلاً غيره..
يريدني عابدة في محرابه ما حييت.. يقهرني على فعل كل ما يريد.. بل يقهرني على فعل أشياء مشينة، أخجل من ذكرها لك.. ويثور غاضباً إن طلبت وقتاً لنفسي.. وصارت حياتي معه عرضاً لا يتوقف من الصراخ والإهانات اللفظية والجسدية أحياناً.
تعلمت معه ومنه ألا أراه كزوج.. بل أراه كرمز سلطة ظالم.. فأنا أكرهه وأخاف منه.. أخاف منه كشخص غريب لا كزوجي.. أخاف أن يصيح بوجهي ويهينني.. أخاف أن يضربني.. أعترف بأنني أجبن من أن أواجهه بكرهي له.. وزاد هذا فوق كرهي كراهية.
أقف أمام المرآة أبكي.. هذه المرأة البائسة ليست أنا.. فقدت كل ما يمتّ لجمال النساء بصلة.. بل فقدت وزني أيضاً بعد سنوات عشر من زواجي، حتى صرت بقايا امرأة.. لا أعرفني.. بل أكرهني أيضاً كما أكرهه..
لماذا لا أطلب الطلاق؟
لقد طلبته مراراً.. وكل مرة يصيح ويصيح، ثم يهدأ ويقبّل يديّ ويسترضيني بكلمات كغثاء السيل.. كلماتٍ جوفاء كاذبة.. لا تلبث أن تتبخر قبل أن ينقضي اليوم.
وقد تندهش يا سيدي من يقيني الكامل بحبه لي.. نعم هو يحبني.. بل يعشقني.. ولا يتخيل في الوجود امرأة سواي.. ويحب بناته.. وأنا أيضاً كنت أحبه وأتفانى في إسعاده.. ولعلك الآن تتفهم عمق معضلتي.. ما بين أهل لا يَرَوْن أي سبب مقنع للطلاق، وزوج لا يسمع إلا صوت نفسه..
سوف أقول لك شيئاً أخجل من ذكره أمام نفسي، ولكني تمنيته – بل تخيلت حدوثه – وأدعو الله به أحياناً.. أدعو في صلاتي أن يموت زوجي.. فهذا هو مخرجي الآمن، بعد أهل يخافون طلاق ابنتهم كأنه الجذام، ومجتمع يظلم المطلقة ويدهس أولادها تحت وطأة الأحكام.. أهلي دوماً يطلبون مني أن أحتمل من أجل بناتي.. هل يرضيكِ أن يقول الناس عن بناتك أنهن بنات لأم مطلقة؟.. بهذا المنطق أصبحت أدعو الله سراً أن يأخذ بناتي!
نعم سيدي، أنا أدعو على زوجي وبناتي بالموت كي أعيش.. نعم لقد غدوت بهذه القسوة.. غدوت أماً تدعو على بناتها بالموت كي تتحرر مِن زوج لا تريده.. وأكتم صوت دعواتي حتى لا يسمعها أحد.. ثم أبكي بعد أن أدعو.. أبكي حتى يحترق صدري ويفرغ ماء عيني.
أصبحت أصرخ مثله.. ولكني لا أصرخ في وجهه، بل أصرخ في بناتي، حتى قالت لي ابنتي الكبرى ذات يوم: أنا أكرهك! أنتِ لستِ أمي!
مشهد التحرر منه لا يفارق مخيلتي.. أستمتع به في أحلام يقظة بائسة تتهاوى على ضفاف المستحيل.. أن أعيش حياتي بدونه.. بدون الخوف منه.. بدون صراخه وطلباته.. بدون أن أُخفي كتاباً أقرأه عند سماع صوت مفتاحه في الباب.. بدون اتهاماته وأوهامه.. أعيش هذا مراراً في خيالي.. ولعل هذا سبب بسيط يجعلني أستيقظ من النوم صباح كل يوم.
أعترف أنني مريضة.. أعترف أنني ضعيفة.. ولا أَجِدُ مِن يفهم معاناتي.. بل قد لا أجيد شرح معاناتي.. وأتمنى أن تجيد أنت وصفها بكلماتك يا سيدي.. فشكواي لا تجد مَن يسمعها.. وزوجي خلوق مع الناس.. ويعتني بنا مادياً.. وليس هناك من سبب ظاهر يدعوني للشكوى منه، فضلاً عن طلب الطلاق.. هل من سبيل لإطلاق سراحي؟
وأكرر لك سيدي: لا أريد إصلاحاً.. لا أريد إصلاحاً.. أنا فقط لا أريده..
————————–
تدعين على بناتك بالموت للخلاص من زوج!
حاشاني أن أحكم عليك أبداً سيدتي.. ولكن الجملة آلمتني لقوة تعبيرها عن معاناتك!
أَوصلنا لهذا الحال من الهوان والخوف من الناس، حتى فرطنا في أبسط حقوقنا للعيش؟
لستِ مريضة يا سيدتي.. بل زوجك هو من يحتاج المساعدة.. مع يقيني أنه لن يقبلها بسهولة..
خوفه الشديد من الفقد مع ضعف الثقة بالنفس جعلاه مهزوزاً يلجأ للقوة للحفاظ على زوجته.. رسّخ داخله شعوراً بأنه غير جدير بكِ..
قد يكون قد تعرّض للفقد والقهر صغيراً حتى تربى داخله رهاب الفقد.. وتربى داخله شعور بأنه ضئيل قليل الشأن لا يستحق الحب..
نعم هو يعشقك.. ولكنه العشق المرضي الخانق، الذي يفتح باب الوساوس على مصراعيه.. ويخلق خيالات الخيانة والهجر داخل الرأس، فيجعل الزوج مجنوناً يغار على زوجته من كتاب.
ومن في هذه الحالة، يدري جيداً أن معاملته لكِ تؤدي إلى كرهك له.. ويدري جيداً مقدار معاناتك.. ولكنه لا يقدر على التحكم بوساوسه ولا نزعات عنفه.
يحتاج زوجك أولاً إلى ثقته بنفسه.. يحتاج إلى أن يشعر بأنه جدير بحبك.. وأنه يستحقك..
لا أتفق معك أنك لا تريدين إصلاحاً؛ بل سامحيني إن قلت إنك تحتاجين إصلاحاً بشدة، ولكنه اليأس الذي رسم لك الهروب كسبيل وحيد للراحة..
زوجك إنسان خلوق مع الناس كما قلتِ.. يقوم بمسؤوليات بيته وبدوره كأبٍ يحب بناته..
انظري إليه بعين الرأفة قليلاً، وسوف ترينه مريضاً يحتاج المساعدة..
وحتى يقبل المساعدة، يحتاج زوجك إلى صدمة تريه الواقع رغماً عنه.. يحتاج إلى أن يشعر بأنه فقدك بالفعل حتى يدرك ما وصلتِ إليه من قهر حتى إنك تدعين على بناتك بالموت للخلاص منه..
أعلم أنك لا ترغبين بمواجهته.. ولهذا سوف أطلب منك طلباً قاسياً.. أن تذهبي إلى أهلك وتختاري أقرب إخوتك الذكور إلى قلبك، وتشرحي له معاناتك وتطلبي منه مواجهة زوجك بدلاً عنكِ.. اطلبي منه أن يشرح لزوجك مدى معاناتك، وأنك قررتِ الطلاق.. إن شعر زوجك بأنه سوف يفقدك سوف يثور ويصيح.. ثم سيهدأ.. وقد يواجه نفسه وخوفه من الفقد.. وعندها قد يوافق على طلب المساعدة..
لا بد له من أن يفقدك أولاً.. ثم يبني ثقته ويعالج رهابه من الفقد.. ثم قد يشعر بعدها بأنه يستحقك..
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.