مع انتهاء العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين وانسحاب آليات الجيش الإسرائيلي من المخيم، أعلن الشعب الفلسطيني انتصار المقاومة وعمت الاحتفالات والمسيرات بعض شوارع فلسطين.
وبينما كنا نتابع عن كثب الأحداث الجارية هناك، اتصل بي صديقي المصري أمجد مهنئاً بالفوز ومتغنياً بالمقاومة الفلسطينية التي تثبت يوماً بعد يوم رسوخ قواعدها في الضفة الغربية. وبين الكلمات والأسئلة، باغتني صديقي مستغرباً استغراب العارف لا الجاهل عن دور السلطة الفلسطينية إزاء الأحداث الحاصلة في مدينة جنين التي تقع في المنطقة "أ" التابعة لسيطرة السلطة الفلسطينية بحسب اتفاقية أوسلو للسلام.
لم نبدأ النقاش بعد حتى بدأت أخبار عن مطاردة السلطة الفلسطينية للمحتفلين بانسحاب قوات الجيش الصهيوني من مدينة جنين، ولعل هذا الخبر اختصر عليّ الكثير من الجمل والبراهين التي كنت سأحاول استحضارها لأشرح له عن واقع الضفة الغربية والمناطق التابعة لسيطرة السلطة الفلسطينية.
في نفس السياق، كانت ردة فعل السلطة الخجولة على العملية الأخيرة التي قام بها الاحتلال، والتي توحي بدور خفي ربما لعبته أجهزتها الأمنية في اجتياح الاحتلال لجنين ومخيمها.
فوفقاً لوكالة شهاب على التليغرام، أفصحت وسائل إعلام عبرية قائلةً إن السلطة الفلسطينية كانت على علم مسبق بالاجتياح، وتم إبلاغ حسين الشيخ "أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير" بذلك خلال لقائه مؤخراً مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت.
ولتبرير الموقف، خرج رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ببيان يدين فيه عدوان الاحتلال الإسرائيلي على جنين ويستنكر إعدام الفلسطينيين، مجدداً مطالبه بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
والسلطة ففي فعل بروتوكولي معتاد، أعلنت قطع جميع الاتصالات مع الاحتلال، وتقنين التواصل مع الإدارة الأمريكية، ووقف التنسيق الأمني في محاولة "لرفع العتب" عنها.
ليعود بعدها المتحدث باسم جيش الاحتلال ويحرج رئيس السلطة عباس وأجهزته مؤكداً أن التنسيق الأمني بين الطرفين لا يزال قائماً.
ومما يزيد الريبة أن العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين جاءت بعد ساعات من إعلان هيئة البث الإسرائيلية عن عقد اجتماع يرأسه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبحث تعزيز السلطة الفلسطينية.
"خرجت من جحورها" لعل هذا الوصف كان الأكثر استخداماً في فلسطين ليلة العدوان، ففي مشهد درامي، تزامن خروج عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية من مراكزها التي اختبأت بها طيلة فترة اقتحام المخيم مع انسحاب القوات الإسرائيلية منه، لتباشر سريعاً ممارسة دورها في القمع والتنكيل بأبناء الشعب الفلسطيني الفرحين بانتصار مقاومتهم.
وفي مشهد استفزازي آخر، أنكرت ضمنياً وكالة "وفا" التابعة للسلطة الفلسطينية على الشعب الفلسطيني عملية "تل أبيب" المزدوجة والتي أصيب بها 10 مستوطنين من بينهم 5 بحالة خطيرة، مدعية أن السيارة انحرفت عن مسارها بالخطأ!
إسرائيل ملتزمة بعدم إضعاف السلطة الفلسطينية
بيَّنت عملية جنين الأخيرة مدى تماهي السلطة الفلسطينية مع الاحتلال، فبحسب وكالة الأناضول، قال مصدر إسرائيلي رفيع المستوى: "لا جدال بأن العملية تتم في منطقة مصنفة "أ"، وهذا يمثل تحدياً للسلطة الفلسطينية، ولكن لا جدال أيضاً بأننا نريد بقاء السلطة الفلسطينية والتأكد من تعزيزها لتقوم بمسؤوليتها، نحن لا نريد إضعاف السلطة الفلسطينية".
ومن الملحوظ ضعف السلطة الفلسطينية في فترة العام ونصف العام الماضية حتى وصلت إلى مرحلة لم تعد فيها قادرة على دخول جنين من أجل اعتقال المقاومين، مما ربما يشير لدفع إسرائيل للتدخل والإنابة عنها في هذه العملية.
اليوم شارف رصيد السلطة الفلسطينية على النفاد لدى أبناء الضفة الغربية، كما نفد سابقاً في قطاع غزة، وباتت الأصوات المطالبة بحسم في الضفة الغربية أعلى من ذي قبل، فأعمال المقاومة الآخذة بالارتفاع خلال الفترة الوجيزة الماضية وردات فعل السلطة عليها خلقت حالة من الاختناق الشعبي تجاهها؛ لذا ستجد السلطة الفلسطينية نفسها مجبرة على إحداث تغيير جذري في سياستها الداخلية والخارجية، والكف عن اللعب بورقة التنسيق الأمني، فبجانب كونها ورقة ضعيفة لا تؤثر على الاحتلال، تعمل على زيادة الاحتقان والغضب لدى أبناء الضفة الغربية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.