قبل خمسة عشر عاماً من الآن كان نادراً ما تجد شخصاً دائم التواجد على مواقع التواصل الاجتماعي، والمعظم إذا لم يمتلك جهاز حاسوب يرتاد مقاهي الإنترنت ليستخدمها كما يريد، اليوم يتوافر بضغطة زر على هاتفك المحمول كل تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث والإيميل، بحيث تستخدمها كما تشاء وبكل يسر وسهولة، لدرجة أن الناس أصبحوا يعيشون في العالم الافتراضي أكثر مما يعيشون في العالم الحقيقي، وزاد من ذلك سهولة التصوير وتوثيق اللحظة أولاً بأول، قديماً كان التصوير نادراً وبصعوبة، ولكننا كنا نحتفظ بالصور بشكل أقوى من اليوم، فاليوم الصور باقية ما دام الجهاز باقياً، متى ما تلف أو حدث أي عطل ذهبت وتلاشت كل الصور، أو حتى بضغطة زر تلغي كل الصور، وقديماً كنا نتراسل بالبريد الورقي، وكنا نحتفظ بالرسائل وبعضنا كان يعطرها من شدة ما لها من قيمة، ثم أصبحنا نحتفظ بالرسائل على البريد الإلكتروني، ولما أصبح متوفراً بسهولة لم نعد نهتم للاحتفاظ بشيء، وصار أمراً روتينياً لم يعد له بهجة وصول الرسالة، لو كان هذا زمن الرحبانية لما خطر لهم تأليف أغنية يا مرسال المراسيل.
ماذا لو أخذنا إجازة من كل ما يتعلق بالعالم الافتراضي، بعض الأشخاص أخذ إجازة تصل إلى 15 يوماً، ومنهم من طالت مدة إجازته لتصل إلى شهر، ما الذي سيتغير؟!
صدقني إن لم يكن لديك عمل أو وظيفة مهمة مرتبطة بالعالم الافتراضي، فلن يتغير شيء، وربما لن يلحظ أحد غيابك، سيزيد تركيزك وإنتاجيتك، وستلاحظ وجود كثير من الأعمال المؤجلة الواجب عليك إنهاؤها، اللحظات السعيدة لا يهمك توثيقها مع أشخاص لا تعرف منهم إلا الأسماء، فالأهم من توثيق اللحظة هو عيشها والاستمتاع بها مع من يعنون لك وتعرفهم جيداً. هناك بعض المشاهير المنتجين لا يملكون حسابات من الأساس، ولا يتواجدون على مواقع التواصل الاجتماعي إلا فيما ندر، ومع ذلك هم منتجون وفعالون أكثر من غيرهم.
قم وانهض وخذ إجازة من الإنترنت، وضع جدولك ولائحة أعمالك، عش الحياة بحق، لا تدع وسائل التواصل الاجتماعي تسرقك، ولا تجعل منها منفذاً للهرب، اترك الأجهزة الذكية واجلس مع أفراد أسرتك تحدّث معهم، شاركهم نشاطاً تستمتعون به، اخرج إلى الحديقة، انظر من النافذة، اذهب إلى السوق، اشغل نفسك بأي شيء تريد فعله، شيء واقعي وابتعد عن الشاشات الزرقاء، استمتع بواقعك وحياتك الحقيقية المس جوهر حياتك.
بعد ذلك عندما تعود إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ستنظم أوقات تواجدك فيها، وستكثر إجازاتك منها، أنا لا أنكر أنه بالرغم من سلبياتها، فإن لها إيجابيات مثل المعلومات التي نأخذها منها وسهولة الوصول إليها، تساعدك في تنمية مهاراتك التي تريد تجويدها وتطويرها، تواجد ولكن لا تدمن ولا تجعلها عليك لا لك.
كم تسعدنا الورود الحقيقية وكلمات المحبة التي تنطقها الشفاه وتحضرها الأيدي، وكم أصبحت باردة وبلا معنى عندما اختصرناها بإيموجي في رسالة روتينية، أحياناً نكون سبباً في حزن أحدهم عندما نشارك صورنا وصور أحبتنا مع أشخاص يفتقدون أحبتهم، الشعور بالضياع وعدم ترتيب الأولويات هو السائد في سباق كم عدد اللايكات التي نلهث وراءها، ومشاركة الفيديوهات، يجب علينا الوعي وإدراك أننا أدوات في أيدي من يؤسسون هذه التطبيقات والمواقع، فالمال هو المحرك الأساسي لهم، وللكثير من المؤثرين، كلما كان عدد الإعجابات أكثر والانتشار أوسع زاد عدد الشركات الممولة والداعمة والمعلنة، وبالتالي زاد التمويل وزاد الربح لأصحاب هذه المواقع، فلا تكن فريسة سهلة، وكن مستخدماً واعياً مدركاً للآثار السلبية على صحتك ووقتك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.