لا يخفى على كل متابع وقارئ جيد للمشهد في منطقتنا العربية دور الإعلام في صنع الوعي لدى أغلب شعوب بلادنا. لذلك، سخّرت أغلب الحكومات الديكتاتورية الإمكانيات والمال الوفير، لا من أجل رفع وعي الجماهير، بل لزيادة التغييب واللعب على مشاعر البسطاء، خصوصاً في الفترات التي هددت استقرار تلك الديكتاتوريات. حيث كان من المتوقع أن يكون له دور أقوى من ذلك في خلق أعداء وهميين وتخويف الناس من فكرة الحرية ووحدة الأمة، ومن يناشدون بها.
بالرغم من كل هذه الإمكانيات التي توفرت لتضليل وخلق وعي جديد للجمهور، يمكن القول بثقة إنها لم تنجح في الغالبية العظمى من الأحيان. ففي هذا العصر المعلوماتي والرقمي، شهد الانسان زيادة كبيرة في مساحة المعرفة الإلكترونية وسهولة الوصول إليها وخاصة الشباب. وهذا ما ساهم في تعزيز وعي الشباب وتمكينهم من ممارسة التفكير النقدي والبحث عن المعلومات الحقيقية.
فالبشر اليوم، خاصة الشباب، يمتلكون القدرة على الوصول إلى مصادر متعددة ومتنوعة؛ إذ تعطيهم مساحة لتحليل المعلومات والتحقق من صحتها بسهولة. بفضل وجود الإنترنت ومحركات البحث، فتتفتح الأعين على رؤى وزوايا مختلفة.
علاوة على ذلك، الشباب أصبحوا أكثر وعياً بأهمية التعليم والتطور الشخصي. يبحثون عن فرص التعلم والتطور المستمر، ويتوجهون نحو المصادر التعليمية الموثوقة والمواقع التي تقدم المحتوى ذا الجودة العالية.
بالتالي، فإن زيادة مساحة المعرفة الإلكترونية وتوفر المصادر المتعددة قد أدت إلى تحسين وعي الشباب وتمكينهم من التفكير النقدي. وهذا يعني أن الجمهور الشاب يمكنه تمييز الحقيقة من الدعاية والترويج، وتحليل الأخبار والتعامل معها بحذر.
لكن ككل شيء في الحياة له ثمن، فالغزارة المعرفية والفرط المعلوماتي له أعراض جانبية.
بمعنى أن الإنسان اليوم يعيش في عصر تزدهر المعلومات وتنتشر فيه بسرعة هائلة؛ مما يعرضه لتحديات فريدة تواجه تجربته المعرفية وقدرته على التفاعل مع العالم المعقد الذي يحيط به.
فعلى سبيل المثال، يتجاوز الإنسان المعاصر حدود معرفته الشخصية ويهتم بمعرفة تخصصه أكثر مما يعرف عن نفسه وحياته. فيجد نفسه مغمض العينين أمام جوانب الذات الأكثر تعقيداً ويعتمد على الخبرات والمعرفة المتخصصة للآخرين، وهذا ما يفسر ظاهرة "المؤثر – influencer".
وبالتالي ربما يفقد الإنسان المعاصر معياراً واضحاً للصواب والخطأ في مواجهة تعقيدات الحياة الحديثة وتشعبها؛ مما قد يشعره بالتوهان والارتباك في اتخاذ القرارات وفي معرفة الطريق الصحيح للتصرف في مواقف مختلفة.
خلاصة القول إن هذا العصر الذي يمتاز بالسيولة المعرفية سلاح ذو حدين، فبينما يحرره من سلطة الديكتاتورية، يدفعه أيضاً لخطر الاعتماد الزائف وفقدان القدرة على التفكير النقدي والتحليل الذاتي.
لذا، يجب على الإنسان المعاصر أن يدرك أهمية الاعتماد على نقده الشخصي والتفكير النقدي في التعامل مع المعرفة المتاحة. وينبغي أن يسعى لاكتساب المهارات والقدرات اللازمة لتحليل المعلومات والوصول إلى قرارات مستنيرة تنعكس إيجاباً على حياته ومجتمعه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.