اتخذت الحرب بين أوكرانيا وروسيا منعطفاً مفاجئاً، عندما ثار بريغوجين ومجموعته من المرتزقة ضد بوتين وساروا نحو موسكو، وتم إيقافهم من خلال صفقة توسّط فيها لوكاشينكو، الذي عرض عليهم اللجوء في بيلاروسيا. وأثار هذا الحدث العديد من التساؤلات حول مستقبل الحرب والمنطقة.
بريغوجين هو زعيم فاغنر، وهو جيش خاص يقاتل من أجل روسيا في أوكرانيا. واتهم الجيش الروسي بقتل العديد من رجاله وهدد بالرد. ثم قاد الآلاف من مقاتليه إلى موسكو، لكنه وافق لاحقاً على الذهاب إلى بيلاروسيا بدلاً من ذلك. وتقول بعض المصادر إن هذا الحدث أظهر أن بوتين ضعيف، وأن حربه ضد أوكرانيا معيبة، وأنهم يعتقدون أن صورة بوتين كرجل قوي قد تضررت، وأنه قد يواجه المزيد من المشاكل من نخبته وجيشه، كما يعتقدون أن تمرد بريغوجين يظهر أن هناك تصدعات واستياء في الاتجاه العسكري لروسيا، وأن البعض قد يكون أكثر انفتاحاً للتحدث أو الانشقاق.
على سبيل المثال، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، إن تمرد بريغوجين يُظهر تصدّعات خطيرة للغاية في حكم بوتين، ويُشكّك في أساس حربه ضد أوكرانيا. كما قال إن الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع حلفائها لدعم سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها. ويعتقد بعض المحللين أن هذا الحدث قد يمنح أوكرانيا المزيد من الفرص لكسب الحرب والحصول على مزيد من الدعم من الولايات المتحدة وحلفائها. ويقولون إن أوكرانيا واصلت عملياتها الهجومية المضادة، وحصلت على بعض الأرض في منطقة دونيتسك الشرقية والمنطقة الجنوبية من زابوريجيا.
ومع ذلك يقولون أيضاً إن التقدم كان بطيئاً وصعباً، بسبب الألغام التي خلّفتها القوات الروسية. ويقولون إن أوكرانيا ضربت جسراً يربط شبه جزيرة القرم بخيرسون في الجنوب بصواريخ بريطانية، ما قد يقطع خطوط الإمداد الروسية في المنطقة.
ومن ناحية أخرى، واصلت روسيا الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار، وقالت إنها نقلت أسلحةً نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا، ما قد يجعل الصراع أسوأ.
لا يمكن التكهن بما ستفعله روسيا، لكن بعض المصادر تقول إن روسيا قد تكون مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا إذا شعرت بالتهديد، أو الوقوع في شَرَك. ووفقاً لبي بي سي نيوز، ظهرت مناقشة استخدام الأسلحة النووية في وسائل الإعلام الروسية، ويقول بعض الخبراء إن بوتين ربما يحاول تخويف خصومه أو اختبار ردود أفعالهم، ومع ذلك يقول آخرون إن استخدام الأسلحة النووية سيكون الخيار الأخير لروسيا، وإنها ستواجه عواقب وخيمة من العالم إذا فعلت ذلك.
لا أستطيع أن أحكم على ما إذا كانت الاتفاقية بين روسيا وبريغوجين من خلال رئيس بيلاروسيا جيدة أم سيئة لروسيا، لكن بعض المصادر تقول إنها كانت تسوية تجنّبت الحرب الأهلية، وحفظت ماء الوجه لكلا الجانبين، ومع ذلك يقول البعض أيضاً إنها كانت علامة على عجز بوتين وضعفه، وإنها قد تشجع أعداءه وخصومه.
بريغوجين، المعروف لبوتين منذ تسعينيات القرن الماضي، كان حليفاً مخلصاً وشخصية قوية في القطاع العسكري الخاص لروسيا، لكنه كان أيضاً مصدراً للجدل والنقد، لتورطه في نزاعات وفضائح مختلفة. على سبيل المثال، ذكرت مجلة فورتشن أن بريغوجين راهن وخسر، لكنه يعيش ليقاتل في يوم آخر. وقال التقرير: "إن تمرد بريغوجين الفاشل قد مزّق صورة الرجل القوي للرئيس فلاديمير بوتين، سواء بالنسبة لزعماء العالم أو للروس العاديين".
وجانب آخر من هذا الحدث هو دور رمضان قديروف، زعيم الشيشان، وهي جمهورية داخل روسيا لديها قواتها المسلحة الخاصة. وكان قديروف مؤيداً مخلصاً لبوتين، وأرسل مقاتليه للمشاركة في الحروب في جورجيا وسوريا وأوكرانيا. وزعم قديروف أنه أرسل 12 ألف جندي شيشاني إلى أوكرانيا، في فبراير، وكتائب إضافية في يونيو وسبتمبر 2022. وكان قديروف صريحاً على وسائل التواصل الاجتماعي حول الحرب في أوكرانيا، وانتقد القيادة العسكرية الروسية لإخفاقاتها وخسائرها. وقال قديروف إنه مستعد للمساعدة في إخماد تمرد بريغوجين إذا طلب منه بوتين القيام بذلك، لكنه قال أيضاً إنه يحترم بريغوجين كوطني وبطل.
ويظهر دور قديروف في هذا الحدث أنه شخصية قوية ومؤثرة في السياسة والأمن في روسيا. قد تكون له مصالحه وطموحاته الخاصة التي قد لا تتماشى دائماً مع بوتين. وقد يشكل أيضاً تحدياً أو تهديداً لسلطة بوتين وشرعيته إذا قرر التصرف بشكل مستقل أو ضده، على سبيل المثال، ذكرت قناة الجزيرة أن قديروف كان من بين الأصوات القليلة البارزة في روسيا التي واجهت حقيقة تراجع الجيش الروسي والخسائر الفادحة التي تكبدها. وانتقد بشدة القيادة العسكرية، مشيراً بإصبع الاتهام على وجه التحديد إلى قائد المنطقة العسكرية المركزية، العقيد ألكسندر لابين، الذي أقيل من منصبه في أواخر أكتوبر. وردد انتقاد قديروف الانتقادات العلنية من بريغوجين، الذي اتهم الجيش الروسي بقتل العديد من رجاله وهدد بالرد.
وقاد بريغوجين بعد ذلك الآلاف من مقاتليه إلى موسكو، لكنه وافق لاحقاً على الذهاب إلى بيلاروسيا بدلاً من ذلك. ربما كان دعم قديروف لبريغوجين مدفوعاً بعلاقاته الشخصية معه، أو عدم رضاه عن الاتجاه العسكري الروسي. وربما كان أيضاً وسيلة لتأكيد استقلاليته ونفوذه في المنطقة، وربما رأى قديروف بريغوجين حليفاً أو منافساً محتملاً في المستقبل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.