يوم واحد يفصلنا عن عيد الأضحى المبارك، ويتسارع الجميع إلى شراء الأضاحي المتنوعة، الكل حسب مقدرته وما يفضله من اللحوم، ولكن الأم يشغلها أسئلة أخرى مثل: هل يجب على طفلي أن يشاهد مراسم ذبح الأضحية أم لا؟ وكيف أهيئ نفسي وطفلي لاستقبال العيد؟ سأقدم لكي عزيزتي أفكاراً وأنشطة للاستمتاع بالعيد تناسب الأزمة الاقتصادية الحالية، فهيا بنا.
متى أسمح لطفلي بمشاهدة مراسم ذبح الأضحية؟
عيد الأضحى من أحب الأعياد إلى قلوب الأطفال لارتباطه بوجود ضيف كريم يحل عليهم لفترة قد تطول أو تقصر حسب كل أسرة، وهو "الأضحية" والتي يرتبط الطفل بها نفسياً كثيراً، ويعتبر نفسه المسؤول عن رعايتها والعناية بها من تقديم الطعام والشراب لها، بل واللعب معها أيضاً، فإذا لم يكن يعلم الطفل أن الهدف من وجود هذا الضيف الكريم هو نحره يوم العيد، فإنه وبلا شك سيصدم نفسياً كثيراً إذا تم هذا الأمر دون تهيئة وإعداد نفسي وذهني للطفل.
لذلك فإن الإجابة عن سؤالك عزيزتي بالسماح وعدمه ترتبط بعدة أمور مهمة منها: عمر الطفل، وهل قمت بتهيئته نفسياً وذهنياً أم لا، وشكل العلاقة التي تربطه بالأضحية عميقة أم سطحية؟
أولاً: السن المناسبة: أخبر العلماء والمختصون بأن السن المناسبة لرؤية الطفل لعملية نحر الأضاحي هي العشر سنوات، والتي تسمى سن السعي الذي بلغه سيدنا إسماعيل عليه السلام، ولا يفضل لطفلك ما دون سن العاشرة أن يرى مراسم نحر الأضحية وذلك لعدة أسباب هامة، منها أن الطفل قبل العشر سنوات لا يدرك الهدف المقصود من الذبح، وقد يعتبر هذا المشهد عنيفاً ومرعباً بالنسبة له وسيعتبر الأهل جناة ضد هذا الكائن اللطيف الذي كان يراه قبل تلك اللحظة والذي ارتبط به نفسياً لعدة أيام لا بأس بها.
ثانياً: التهيئة النفسية: تعد التهيئة النفسية والذهنية للطفل من الأمور الهامة التي لا يجب أن تغفلي عنها قبل مشاهدته لذبح الأضحية، والتي لا بد من قيامك بها قبل نحر الأضحية بفترة كافية. فيجب أن تشاركي طفلك الإعداد للعيد من شراء الأضحية، وتخبريه عن الهدف منها، ولماذا نضحي، وكيف نتهيأ ونستعد لها خلال الأيام العشر من ذي الحجة. ولا بد أن نخبره أيضاً عن قصة سيدنا إسماعيل وكيف أن الله فداه بذبح عظيم، ونحن نتقرب لله بالأضحية اقتداءً وشكراً له، وإلا توجب علينا تقديم أطفالنا بدلاً منها كل عام، وكيف أن الإسلام دين رحمة ومحبة. ويفضل أيضاً ذكر فوائد اللحوم للبدن وكيف تبنيه وتقوي العضلات وأهميتها لجسمه الصغير، ولا تنسي سرد القصص المتعلقة بذكريات طفولتك أنت ووالده حول الأضحية وكيف كنتم تفرحون بها وتعتنون بها، وتأكلون منها فرحاً وشكراً دون حرج، فذلك كله أدعى لطفلك أن يتخذ منكما مثالاً وقدوةً يحاكيها، وهو ما يحتاج إليه ويشعره بالطمأنينة، ونتفادى دخوله في صدمات عصبية وتكوين عقد نفسية، أو الامتناع عن تناول اللحوم طوال حياته بسبب مواقف لم تعالج في طفولته بشكل تربوي سليم.
ثالثاً: العلاقة بين الطفل والأضحية: تمثل شكل العلاقة بين طفلك وأضحية العيد محوراً هاماً، من حيث مدى قوة أو ضعف ارتباط طفلك بها، فكلما كانت الفترة التي قضاها الطفل في رعاية الأضحية طويلة، وطدت العلاقة بينهما، ما يؤدي لصعوبة انفصال الطفل نفسياً عنها، خاصة دون تهيئة مسبقة، لذا يفضل تذكير الطفل دوماً بأن الهدف من الاعتناء بها ورعايتها هو لنتقرب إلى الله بها وننحرها في العيد وهي في أفضل صحة وعافية، فتذكير طفلك بذلك دوماً يجعله يدرك أنها ضيف مؤقت، حل علينا لهدف معين، وستنتهي فترة إقامته حينما يحل العيد، وذلك من شأنه أن يحفظ العلاقة بين الطفل وأضحية العيد على مسافة مناسبة لا تؤدي لصدمات نفسية بعد ذلك، ولا بد من مراعاة الأسلوب المناسب وعمر الطفل عند إخباره وتذكيره دون مغالاة وإشعاره كأننا دون قلب رحيم وننتظر العيد لنلتهمها دون رحمة، بل يجب أن ينبع أسلوبنا من ديننا الذي أمرنا بذلك بهدف الرحمة والحب لنا، فلننتبه.
في النهاية الأمر في هذه النقطة متروك تقييمه للأهل وحسب تقديرهم لنضج طفلهم النفسي والعقلي، ولكن إذا لم يكن الطفل مؤهلاً لرؤية ذبح الأضحية فلا يجب أن نجبره على ذلك، ويكفيه معرفة الهدف من قدومها، وأنها تتم دون تعذيبه، بل بطريقة أمرنا الله بها فيها رحمة بالحيوان أيضاً، كما أن الأضحية سبب لإسعاد الفقراء والمحتاجين كذلك الذين قد لا يذوقون اللحوم إلا في العيد.
العيد فرحة، ولكن كيف نسعد به في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية؟
يقترب العيد والكثير من الأسر المسلمة في أنحاء العالم تعاني من وضع اقتصادي مزرٍ يعصف بالجيوب والأبدان، وكثير من طقوس الأعياد قد لا تقوى الأسر على القيام به مثل شراء ملابس جديدة، أو إعطاء العيدية، أو الذهاب في عطلة صيفية وغيرها الكثير. لكن هل يعني ذلك أن يمر علينا العيد في بؤس وتعاسة؟ بالتأكيد لا، وإليك بعض المقترحات لقضاء عيد سعيد بأقل التكاليف. كل ما عليك هو عقد اجتماع طارئ للأسرة بعنوان "العيد فرحة رغم أنف الأزمة الاقتصادية" وتناولي في أجندة ذاك الاجتماع المحاور التالية:
ملابس العيد: أسرتي الجميلة، قد لا تكون لدينا القدرة على شراء الجديد، لكننا سنسعد بما في الأيد، سنختار أفضل ما لدينا من ملابس، ستغسل بعناية، وتكوى وتعطر، وسنلبسها ونحن بكامل أناقتنا، إن كنت تجيدين الخياطة ربما يمكنك صنع بعض الملابس لهم بدلاً من شرائها هذا العام.
العيدية: العيدية وفق الميزانية، إن كانت ظروفكم تسمح يمكن أن تسعدي قلوبهم وفق المتاح، حتى لو كان بسيطاً، وإلا فيمكن الاستغناء عنها دون حرج. عليك فقط أن تشاركي أطفالك ظروف البيت المالية البيت وتدبير شؤونه معك، وأنهم شركاء في صناعة القرار وإدارة البيت، وهذا يجعلهم سعداء بما سيقدم لهم مهما كان مقداره.
المأكولات: حددي قائمة بالمأكولات التي اعتدتم على تناولها، واسمحي لهم باختيار المناسب منها وفق ظروفكم الحالية، فإذا كنتِ تعدين لهم سابقاً خمسة أصناف فيمكن الاكتفاء باثنين منها وصنعها بكل حب كالمعتاد أو بطريقة مبتكرة بديلة، مثل استبدال اللحوم داخل المعجنات بالمشروم، أو تقليل الكمية المعتاد عليها من اللحوم. يمكنك صنع كيلو أو اثنين من "الرقاق" اللذيذ جداً بدلاً من خمسة، والاكتفاء به دون الفطائر، وهكذا نستمتع بأبسط التكاليف دون حرمان تام.
الهدايا: اجعلي هدايا العيد فقرة تحدٍّ وابتكار بين أفراد العائلة، وأخبريهم بأن يهادي كل منهما الآخر هدية مبتكرة غير مكلفة وتسعد الجميع، ويمكنك أن تكوني قدوتهم وتقدمي لهم بعض الحلوى المغلفة بشكل أنيق، أو صنع الألعاب يدوياً بالبيت بدلاً من شرائها كالمعتاد مثلاً.
الزيارات: من أجمل طقوس العيد هي الزيارات التي يتبادلها أفراد العائلة والأصدقاء فيما بينهم، فلا تجعلي هدايا الزيارات تعيقك عن التزاور فيما بينكم، تخففي من عبئها واكتفي بأبسط الأمور فيها، فيكفي الجلسة اللطيفة وتجاذب أطرف الحديث، وقضاء وقت ممتع معاً، فلا تحرمي نفسك وطفلك منه لضيق الحال، فالسعادة ليست كلها في المال، لنتعلم كيف نسعد دون استخدامه قليلاً، فلن يبقى في ذاكرة طفلك كم أخذ من هدايا أو كم أحضر لهم أقاربهم من ألعاب، وإنما ما يرسخ في أذهانهم حقاً هو الضحكات، القصص والحكايات التي تروى لهم في زيارات العيد.
وقت المرح: اللعب أهم وأحب الأوقات على الإطلاق للكبار والصغار، ولا يحتاج لأي تكاليف مادية. في طفولتي مثلاً كانت الألعاب كلها شعبية تعتمد على الحركة والرياضة وإعمال العقل، لا أذكر أني اقتنيت الألعاب كثيراً، ولا أذكر أنه تم شراء الكثير منها لي، بل كنا نصنعها ونبتكر بها، حتى زينة العيد. فحوّلي المحنة لمنحة، واجعلي من العيد فرصة للاستغناء عن شراء كل شيء جاهز دوماً، واصنعي الألعاب مع أطفالك. العبي معهم، وعلّميهم ألعاب طفولتك، اصنعي لهم تحديات وشاركيهم ألعاب الذكاء، واقتبسا بعض الأفكار الجديدة للألعاب العصرية من الإنترنت فهناك الكثير منها. اطلبي منهم تجهيز قائمة بأفكار وأنشطة يحبون القيام بها في العيد، مشاركتك لأطفالك تجعلهم جزء من الحدث وتجعلهم أكثر سعادة عند التنفيذ ومطلعين على أحداثه مسبقاً، بالتالي يعلمون أن العيد سيكون ممتعاً، وسيتعلمون أن السعادة ليست كلها المال، وسيكون هذا فرصة للعودة لألعاب الحركة وتوظيف طاقاتهم وعقولهم والسماح لهم بالابتكار والإبداع كيفما يشاؤون، وصدقي أنهم سيحبون هذا العيد أكثر من أي عيد مضى، وكل عام وأنتم بخير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.