كل شيء سوى الحقيقة.. كيف يعمل الإعلام العربي اليوم؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/27 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/27 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
لا يمكن أن يخدم الإعلام مبادئه الأساسية دون وجود حد أدنى من مساحة لحرية الرأي والتعبير - shutterstock

 "إن لم تكن حذراً فإن الصحف ستجعلك تكره المقهورين، وتحب أولئك الذين يمارسون القهر". 

بهذه الكلمات البسيطة، حذر الداعية الإسلامي والمناضل الحقوقي مالكوم إكس من مدى تأثير آليات وسائل الإعلام على الإنسان وسلوكياته وحتى حريته في اعتناق مبادئ تعبر عنه.

نلحظ اليوم مسافة شاهقة بين المبادئ الأساسية والركائز المتينة للصحافة والإعلام التي تربينا عليها، وبين ما نراه اليوم من تضليل وتشتيت للجمهور بما يناسب سياسات وأجندات خاصة تخدم مصالح بعض الأفراد.

فنجد اليوم أغلب المنصات الإعلامية في الوطن العربي تعمل وفق سياسات مرسومة بعناية، مفروضة ومكبلة برقابة من الحكومات حتى وإن تظاهرت بغير ذلك.

فاليوم، يمكن للفرد أن يجد مئات المواقع والقنوات والمنصات المختلفة التي تتحدث عن مواضيع متنوعة، ولكن الغريب أنها تتجاهل قضايا الناس الحقيقية.

 فستجد العديد من المنصات تستضيف مؤثرين ومديرين يتحدثون عن مصطلحات كالنجاح والاستثمار الشخصي وطرق التقدم في الحياة، ولكن لن يتطرقوا لمواضيع تناقش توزيع الثروة بشكل عادل، أو عن حقوق الناس في الرعاية الصحية والعلاج. وستجد الكثيرين يتحدثون عن الهوية والتراث، ولكن لا أحد يتحدث عن نسب الفقر المدقعة.

فمع قبضة الرقابة لا يجرؤ أحد في هذه الأيام على التعبير عن رأيه في منصات العالم العربي، خاصة تلك التي يتم تمويلها من قِبَل هيئات ومؤسسات الثقافة الرسمية. وبالتالي، فإنني لا أستطيع إلا أن أراها كآليات أيديولوجية تقوم بتبرير الوضع المزري الحالي مجتمعاتنا ودولنا، وتلقي بالوم على الأفراد دون الدول ومؤسساتها.

لا يمكن أن يخدم الإعلام مبادئه الأساسية دون وجود حد أدنى من مساحة لحرية الرأي والتعبير يستطيع فيه انتقاد الحكومات والسلاطين وإلقاء النور بطريقة أو بأخرى على الوجه الأخر للواقع الذي تحاول جهات معينة إظهاره بشكل براق، ولعل هذا كان واضحاً لنا في ظل ثورات الربيع العربي.

سباق تسلح إعلامي بين الدول العربية

حيث مثّل الربيع العربي درساً صعباً وغير معتاد بالنسبة للحكومات العربية، عجزت حينها عن فرض قوانين وقواعد تلزم بها وسائل الإعلام بمحددات تناسبها، بسبب الحالة الشعبوية الثائرة آنذاك؛ لذا أقسمت الأنظمة العربية ضمنياً أنه عندما يمر الربيع، لن تسمح لبضع كاميرات وأقلام أن تهدد حكمها مرة ثانية.

فاتجهت الأنظمة الحاكمة المناهضة للربيع العربي إلى السيطرة على الإعلام بطريقة أخرى تتمثّل في صناعة وشراء الوسائل الإعلامية والسيطرة على السوق الصحفي لضبط التوجه الإعلامي وربطه بسياسات محددة بشكل أو بأخر تحت شعارات حرية الرأي والتعبير والعمل الصحفي الحر.

ونرى في دول الخليج مثالاً واضحاً على هذا الأمر، فتتسابق بعضها على بناء منظومتها الإعلامية الخاصة التي تخدم أجندتها بشكل يلائم في ظاهره مبادئ حرية الرأي والتعبير. 

وإن كانت دول الخليج تفعل ذلك بشكل ضمني، فإن النظام الحاكم في مصر يكرس أجهزة مخابراته منذ 2016 لشراء عشر مؤسسات إعلامية بموجب عمليات بيع إجباري، لفرض سرديات الدولة الخاصة على المواطنين بشكل مباشر، عن طريق إنتاج محتويات تافهة وبعيده عن نقض السلطة والواقع المأزوم. 

يمكنك أن تتحدث عن كلّ شيء سوى الحقيقة

السيطرة على وسائل الإعلام في منطقتنا ليست بالخبر الجديد، لكن تكمن الخطورة اليوم في التفحل في السيطرة عليها، فقديماً كانت تترك ولو مساحات صغيرة، بينما حالياً أخذت بعض الحكومات العربية تقوم باستحداث قيم إعلامية تحاول من خلالها توجيه الشعوب إلى كل ما يبعد عن حقيقة الشارع الكئيب.

 فتكثف الأنظمة بأجهزتها الرقابية محتوى إعلامياً يهتم حصراً بالفن والثقافة والمسابقات الترفيهية، لتغض الطرف عن الواقع البائس المليء بالفقر والبطالة والظلم، محاولة بذلك تحجيم الثقافة السياسية لدى الشعوب وحصر دور الإعلام في زاوية الترفيه والهروب من الواقع.

لا تريد لنا حكوماتنا أن نتحدث عن الديمقراطية والثيوقراطية والليبرالية، ولا أن نفرق بين اليمينة واليسارية، ولا هي مهتمة ما إذا كان الشباب يعرف من هو جان بودان أو جان جاك روسو، يكفينا أن نترقب وننتظر نخمن من سيكون ضيف رامز جلال القادم في رمضان.

وبين هذا وذاك وفي محاولة لإرضاء الفضول الشعبي تجاه السياسة، تحاول الحكومات العربية عبر وسائلها الإعلامية عرض نقاشات سياسية ركيكة، تناقش فيها بعض الأحيان أسعار البنزين والبطالة والفقر، لتجد أن نتيجة النقاش قضت أن المذنب دائماً في الأزمات هو الشعب، ممجدة دور الحكومة تارة ومبررة أخطاءها تارة أخرى.

ومع ذلك، لا يمكننا أن ننكر وجود وسائل إعلام عربية تحاول في ظل هذا الواقع الأليم التمسك بقيمها الإعلامية وتقديم الواقع للمشاهد كما هو دون تزيين أو تلميع، محاولة توعية المشاهدين بالأحداث الداخلية والخارجية بمهنية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زيد إبراهيم
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد