رغم ضبابية الأحداث الأخيرة داخل روسيا، إلا أنه يمكن ملاحظة أمر واضح وهو نجاح مرتزقة فاغنر في الحرب النفسية في أول يوم من الصراع المسلح من خلال الصدمة والمباغتة للنظام الروسي؛ حتى بدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجلاً كما لو كان بلا معطف في شتاء موسكو القارس.
فقد نجح طباخ بوتين السابق، يفغيني بريغوجين في اكتساب نفوذ وثقة الكرملين، فتحول خلال وقت قصير، من مجرم محكوم عليه بالسجن لمدة 13 عاماً إلى صاحب أفخر مطعم بمدينة سان بطرسبرغ؛ حيث معقل الرئيس، من ثم إلى قائد وصاحب " فاغنر" أكبر مجموعة مسلحة خاصة داخل روسيا.
واليوم، نشهد نجاحاً جديداً للطباخ السابق، وقائد الميليشيا الروسية الأضخم حالياً، ولكن في هدم صورة الصلابة الروسية، مستغلاً المرتزقة العابرة للحدود وتحويل دفتهم من الغرب إلى موسكو للإطاحة بما وصفوه بالقيادة العسكرية الروسية "الفاسدة التي تفتقر للكفاءة"، قبل أن ينسحبوا فجأة إلى منطقة تسيطر عليها روسيا في شرق أوكرانيا، بعد اتفاق مع الكرملين توسط فيه رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو.
ولم تتأخر أوروبا والجبهة الغربية كلها بل على الفور تم تشغيل ماكيناتهم الدعائية لخدمة فاغنر؛ حتى أظهروا أن مستقبل بوتين بات مرهوناً بالرتل العسكري للمرتزقة المتوجه صوب موسكو وبدا بريغوجين كهتلر آخر وموسكو كساتلينغراد في 21 أغسطس/آب 1942م إبان الحرب العالمية الثانية.
رغم إخماد تمرد "فاغنر" وانتهاء أطول 24 ساعة في تاريخ روسيا- بوتين، يمكن رؤية الذعر الذي سيطر على أزقة الكرملين؛ حيث بدأت الإشاعات ووسائل الإعلام تتحدث عن فرار بوتين إلى مسقط رأسه في سانت بطرسبرغ؛ فأخذ الإعلام الروسي يكذب فرار بوتين ومدفيديف ومسؤولين روس رفيعين؛ وبدت الماكينة الدعائية الأولى في العالم مضطربة وتنوعت مصادر المعلومات؛ غلب عليها الاستمالة العاطفية بما فيها كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ وتصدرت الأساليب الدعائية: التحذير من الانزلاق إلى حرب أهلية وضرورة الحفاظ على اللُّحمة الوطنية والمؤامرة الغربية والطعن من الظهر ونزع الشرعية عن فاغنر والتهديد والوعيد بالمحاكمة للمرتزقة.
طباخ عبث بصورة الجيش الروسي
وبعيداً عن مدى صحة الأخبار عن الاضطرابات داخل قيادة موسكو من عدمها، يلاحظ أمر هام ألا وهو أن روسيا بوتين قد تغيرت للأبد وبشكل جذري، فما حدث لروسيا خلال يوم واحد لم يحدث لها على مدى أكثر من عقد.
فقد انكسرت صورة ودعاية روسيا كآلة عسكرية صارمة، على يد بعض المرتزقة الذين نجحوا في هز ثقة دولة صاحبة أكبر حروب خارجية خلال العشر السنوات الماضية ابتداء من حربها مع جورجيا في 2008م؛ مروراً بضم القرم وتدخلها في سوريا وضم لوغانسك، ودونيتسك الأوكرانيتين وصولاً إلى الحرب المفتوحة مع الناتو في أوكرانيا حالياً.
وللعلم فقد استثمرت روسيا في عمليتها الدعائية على المستوى العالمي خلال حروبها التوسعية خلال المرحلة الماضية؛ فجعلت الأسلحة الروسية محل أنظار العالم واهتمامه.. بدءاً بمنظومة s 400 للدفاع الجوي وليس انتهاء بالصواريخ والطيران والدبابة والكلاشنكوف.
بتعداد خمسين ألف مقاتل مرتزق، بحسب منسق الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، استطاعت فاغنر هزيمة الجيش الروسي معنوياً وهو ثاني أقوى جيش في العالم؛ وباتت روسيا محل سخرية الجميع؛ إذ بدت روسيا وهنة وشاحبة، فيما أخذت المرتزقة العزة بالإثم وأخذ كبيرهم يتحدث عن استسلام لقوات بوتين وتسليمه مدينة روستوف من غير طلقة رصاص أحرج معها القيصر وهدم صنم التمر الذي بنته الدعاية الروسية التي صورت الجيش الروسي بالخارق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.