اختتم المبعوث الفرنسي الجديد إلى لبنان، جان إيف لودريان، زيارته إلى بيروت. أتت هذه الجولة التي استمرت لأربعة أيام التقى خلالها بالعديد من الشخصيات اللبنانية المؤثرة؛ سعياً لحلحلة ملف كرسي الرئاسة اللبناني عقب فشل البرلمان اللبناني بانتخاب رئيس للبلاد خلال الجلسة 12.
لم يحمل المبعوث الفرنسي أي مبادرة للحل وإنما جاءت زيارته إلى لبنان لسماع آراء الفرقاء اللبنانيين والعودة إلى فرنسا لتقديم تقرير حول هذا الموضوع إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ولعل أهم تصريح ذكره لودريان خلال هذه الزيارة هو أن "الوقت ليس في صالح لبنان".
جذور المبادرة الفرنسية
إذا ما أردنا البحث في جذور المبادرة الفرنسية الجديدة علينا العودة إلى الحل البراغماتي الذي طرحه الرئيس الفرنسي ماكرون قبل بضعة أشهر، هذا الحل الذي كان قائماً على أن يتم طرح اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية كرئيس مدعوم من حزب الله وحركة أمل مقابل تكليف سفير لبنان السابق في الأمم المتحدة "نواف سلام" رئيساً للحكومة كشخصية تدعمها أطراف المعارضة.
ولدّت هذه المبادرة ردة فعل سلبية كبيرة لدى أحزاب المعارضة، خصوصاً بعد فشل القوات اللبنانية في إقناع الرئاسة الفرنسية بتغيير تبنيها لاسم فرنجية كمرشح للرئاسة؛ مما دفعهم إلى شن حملات إعلامية حادة ضد الرئيس الفرنسي وتصويره كمعادٍ للمكون المسيحي اللبناني، وذلك بهدف ثنيه عن دعم ترشيح فرنجية.
في هذا السياق، وقبل بدء زيارة لودريان إلى لبنان، استبعد عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب بيار بو عاصي، أن "تؤدي زيارة وزير الخارجية الفرنسي الأسبق جان إيف لودريان إلى خرق في الأزمة الرئاسية".
وأكد بو عاصي أن القوات اللبنانية ستقول للموفد الرئاسي الفرنسي ما تقوله في العلن، وهو التمسك باحترام لعبة الديموقراطية وحق كل فريق في أن يكون له مرشح لا يفرضه مرشحه، وحق الاقتراع وتأمين النصاب وعدم الانسحاب.
كلام بو عاصي هذا هو تأكيد الأطراف اللبنانية جمعياً على مواقفها السابقة دون أدنى تغيير فيها، ولذلك فقد فشلت الجولة الأولى التي قام بها لودريان إلى بيروت. ويبدو أن التقرير الذي سيرفعه لودريان إلى الرئيس ماكرون سيؤكد أنه لا يمكن التعويل على الداخل اللبناني لتحقيق انفراجة في ملف الشغور الرئاسي والمقاربة الفرنسية ستحتاج إلى مبادرة دولية-لبنانية للخروج من المأزق.
لبنان أمام مفترق طرق
في الحقيقة، لبنان أمام مفترق طرق خطير حيث ليس من مصلحة أي من الأطراف السياسية عرقلة المبادرة الفرنسية، وذلك لأن هذه المبادرة تأتي ليس لتحقيق حلحلة في ملف الشغور الرئاسي؛ بل تتضمن مصالح فرنسية في ملفات الغاز والنفط وضرورة توافق الأطراف السياسية للبدء بعملية اقتصادية لإنقاذ البلاد.
لا بد من التذكير بأن عامل الوقت قد يصب في مصلحة الثنائي (حزب الله وحركة أمل)، وذلك لإمكانية حدوث خرق في التحالف المسيحي الجديد القائم على قاعدة هشة، وهي التمسك بأزغور إذا ما حصلت تفاهمات مع التيار الوطني الحر على ترشيح فرنجية. كما أن الموقف السعودي الجديد القائم على الحياد الإيجابي وضرورة عدم التدخل في المعادلات اللبنانية يضّعف موقف فريق المعارضة من حيث عدم وجود داعمين لهم على المستوى الدولي.
ختاماً، يجب على الفرقاء اللبنانيين تعويل المصلحة الوطنية على المواقف وتصفية الحسابات السياسية، وذلك لأن الوقت ليس في مصلحة لبنان، كما قال المبعوث الفرنسي لودريان.
إن معادلة لا غالب ولا مغلوب هي الخيار الوحيد للوصول إلى نتائج مرضية للجميع في الملفات العالقة ضمن هذه المعادلة التي لا يمكن تحقيقها عبر الملف الرئاسي، وذلك لأن الملف الرئاسي اليوم قائم على المعادلة الصفرية فما يكسبه طرف سيخسره طرف أخر.
معادلة لا غالب ولا مغلوب يمكن تحقيقها عبر صفقة شاملة تتضمن تفاهمات حول (كرسي الرئاسة والحكومة والمصرف المركزي وعمليات الإصلاح الإداري والاقتصادي). عندما تتوصل الحكومة الفرنسية لمثل هذا التفاهم يمكن أن نرى لودريان مرة أخرى في بيروت.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.