لا أكف عن تخيل ذلك الفيلم العالمي، المستحيل، الذي تلعب بطولته، كل من الممثلتين الكوميديتين، الأمريكية ميليسا مكارثي، والمصرية عائشة الكيلاني، أسمع الضحك الآن، ضجيج صالة العرض، وصوت سعال الجمهور بسبب القهقهات المتواصلة، حسناً، ماذا لو كان الفيلم من بطولة ساندرا بولوك وإنعام سالوسة؟ أو لنقل شيماء سيف وريبيل ويلسون؟ ولكن خيالي يصطدم فجأة بتلك الحقيقة المرة "لا بطولة للممثلات الكوميديات في مصر"، يمكنك بسهولة أن ترى إنتاجاً ضخماً لأفلام كوميدية تقوم بالكامل على كتف امرأة في هوليوود، لكنك لن ترى هذا أبداً في الوطن العربي عموماً، وفي مصر خصوصاً.
تذكرت عند تلك النقطة، 5 ممثلات مصريات، لم تنل أي منهن فرصة حقيقية، برغم ما لديهن من موهبة جبارة، وطاقة إضحاك وكوميديا، لم تجد كاتباً يقدّر، أو مخرجاً يستوعب، وما زلت أتساءل.. لماذا؟ وماذا حدث، منذ ذلك الوقت، الذي استطاعت فيه نجمات مثل سهير البابلي، إسعاد يونس، وعبلة كامل، القيام بالمهمة كاملة، تماماً كما هو الحال في هوليوود، حيث جون ريفيرز التي واصلت التألق حتى قبيل وفاتها بيوم، وميليسا ماكارثي، التي تضطلع ببطولات كوميدية كاملة، حتى أن بعضهن يؤثر للدرجة التي تقلق أنظمة سياسية كاملة، كما حدث مع كاثي جريفين، التي أقلقت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وهو ما ترتب عليه مجموعة من الإجراءات ضدها، أظهرت لاحقاً كم تملك تلك الممثلة الكوميدية من قوة وتأثير!
84 عاماً من الأدوار الثانوية!
قبل عامين تقدّمت باستقالتي من عملي المستقر بإحدى المؤسسات، حين لاحظت أنني ما زلت على ذات المقعد، أمارس ذات المهام، بذات الكيفية، منذ ما يزيد على 7 سنوات، وأن استمراري، لن يضمن لي بأي شكل، التقدير الذي أراني أستحقه، لذا استقلت، وأنا لا أملك فكرة عما ينتظرني، لاحقاً، أتخيل لو أنني واصلت العمل في نفس المكان، شكلي، عقب 60 عاماً من الآن؟ بالضبط سأكون، في ذات الحال، امرأة تتقن عملها، تملك الكثير، وتتميز فيما يوكل لها، لكنها لا تحصل على فرص أبداً، الأدوار ذاتها تتكرر، بالكيفية ذاتها، لسنوات وسنوات.
إذا أردت الحديث عن الطاقات الكوميدية النسائية المنسية، أو لنقل المذبوحة، ففي مقدمة تلك الأسماء، القديرة إنعام سالوسة، المولودة عام 1939، تلك السيدة التي لا تزال تقدم أدواراً صغيرة، ومحدودة، ومؤثرة جداً، صحيح أن العبرة ليست بحجم الدور، ولكن ثمة فرص يستحقها المرء حين يملك حداً أدنى من الإجادة والقوة، والموهبة، مساحة أكبر قليلاً، حتى لو لم تكن بطولة، تنتظر أدواراً محورية يقوم حولها العمل بالكامل، ولكن هذا يحتاج إلى عين خبيرة، ربما لم تكن موجودة طوال سنوات عمرها الـ84.
جانيت القبيحة!
قبل سنوات كنت في محطة المترو، أنتقل من محطة لأخرى، ووجدتني شاهدة على حادث تحرش، لم يتحرك أحد من الموجودين للدفاع عن الضحية، سوانا، أنا وذلك الوجه الذي شعرت أنني أعرفه جيداً، كانت الأكثر جرأة، وشهامة، بين الجميع، وفاء السيد، التي وما إن انتهي الموقف، حتى فتحت معها حديثاً، لا تأكد هل هي بالفعل، الممثلة الكوميدية الجميلة التي عرفها الجميع في دور "جانيت بنت وليم شحاتة" في الفيلم الشهير حسن ومرقص. وقتها تفنن صناع العمل في تشويه وجه الفنانة لتبدو قبيحة جداً، بل إنها صارت أيقونة للقبح، منذ ذلك الوقت.
تعمّد إظهار الفنان في صورة قبيحة، وتنميط ظهوره، في حيز بعينه، كالقبح، أو البدانة، قيد، قليلون هم من نجحوا في الهروب من هذا المأزق، أذكر في هذا السياق، الفنانة حمدية حمدي، الشهيرة بماري باي باي، الراقصة التي حصرها المخرجون في دور السيدة القبيحة، وهو أمر كان يضايقها كثيراً، لكنه كان تذكرتها الوحيدة نحو العالم الذي تحبه، عالم التمثيل.
سنوات طويلة ظلت خلالها وفاء، بعيدة عن التمثيل، قرابة الـ13 عاماً، رغم إجاداتها، ورغم قدراتها المسرحية، وموهبتها، وخبرتها الطويلة، لا تزال الفنانة الجميلة، الموهوبة، تجتهد وتحاول، وتنتظر فرصة حقيقية تليق بقدراتها الفنية، وشخصيتها القوية، وشجاعتها، ما زلت أذكر ذلك اليوم، حين ودّعتني في طريقها للمسرح، وهي تتحدث عن عملها المحدود في المسرح، مقارنة بالطاقة التي تقدر على تقديمها، تلك التنهيدة التي انطلقت منها، قبل أن تلوح لي بيدها في طريقها للعمل.
عائشة الكيلاني.. 13 عاماً من العقاب!
أعود للخيال، وأتخيل الممثلة الأمريكية ميليسا مكارثي، تجتمع في فيلم واحد مع الممثلة المصرية عائشة الكيلاني، التي لم تحصل ولو على فرصة واحدة فقط، عقب تغير شكلها قبل 13 عاماً، جراء عملية تقويم أسنان كانت ضرورية، لسبب طبي، الممثلة القديرة التي تتمنى ولو "فرصة واحدة"، أعلنت براءتها من عمليات التجميل، وأكدت غير مرة أنها لم تحاول تغيير شكلها، ولكن المعايير "القبيحة" التي وضعها لأجلها المنتجون اختفت، واختفت معها الفنانة الموهوبة، ربما لو كانت الممثلة الأمريكية ريبيل ويلسون تعيش في أجواء مماثلة، لما أقدمت على فقدان وزنها الزائد باعتباره مفتاح "لقمة العيش"، في الواقع فتح لها هذا آفاق أرحب، حيث التركيز على "الموهبة" وليس "الشكل"، عكس ما تجري الأمور في بلادنا!
شيماء سيف.. سجن القاعدة
ربما الوحيدة التي قد تخالف القاعدة هي شيماء سيف، فهي ليست من منازلهن، وتحظى بعدد أعمال مناسب في كل عام، ولكنني هنا لا أقيس على عدد مرات العمل، ولكن على مدى ظهور الموهبة والقدرات، فلا تزال شيماء سيف سجينة "القاعدة" التي لا تمنح الكوميديانات ما يستحققنه من أعمال تناسب قدراتهن وإمكاناتهن، لم تصادف منتج مغامر بما يكفي، ولا كاتب يدرك ما تملكه من إمكانات.
حين نقارن فنانة مثل دينا محسن، الشهيرة بـ"ويزو"، مع شيماء سيف، ورغم الزيادة الكبيرة في وزن كلتيهما، فإن الحديث عن الموهبة يختلف، فشيماء لا تنطلق في بطولاتها وأدوارها من وزنها، ولا من هيأتها، أو على الأقل تحاول، وإن أخفقت في بعض الأحيان، كما أنها تملك مساحات من الإبداع، اكتشف بعضاً منها المنتج الشاب هشام جمال، حين تعاون معها في برنامج الأطفال الأشهر "ميس أندر ستاند" لتظهر ذلك الجانب الواثق جداً، والمرن، والقادر على التعامل مع "الأطفال".
المنتج المعروف عنه قدرته على إيجاد المواهب، وإظهارها بشكل لائق، تعاون مع شيماء في أكثر من عمل، أبرزها مواسم المسلسل الشهير "في بيتنا روبوت"؛ حيث برهنت شيماء عبر ذلك الدور المميز، أنها قادرة على التمثيل، حتى لو كان دور آلة لا تشعر، ولا تبدي مشاعر!
إيمان التي تضحكك دون جهد!
في الوقت الذي أخفقت فيه الممثلة المصرية الكبيرة يسرا -برأيي- في حصد ضحك يُذكر، عبر بطولة مسلسل كامل هو "1000 حمد لله على السلامة" نجحت الممثلة الشابة، إيمان السيد، المولودة عام 1980 في حصد ما يكفي من الضحك في اللقطات القصيرة، والأدوار الصغيرة جداً، التي ظهرت فيها عبر مسلسلي "جات سليمة" و"ضرب نار".
الفنانة الشابة التي تهوى العناية بحيوانات الشارع، والتي ساهمت في إنقاذ العديد منها، تنجح عادة في الحصول على انتباه المتفرج بالكامل، عبر أي مشهد تقدمه، بل إنها قادرة على الإضحاك دون جهد يُذكر، وربما من دون كلمة واحدة، وفي كل الحالات، لكن اللافت أن الأدوار قليلة حقاً، وصغيرة جداً، وتكاد تكون مكررة، ومحدودة بطريقة مستفزة، وهي لا تزال تحاول رغم كل شيء.
لعل الداعم الأساسي، والشخص الوحيد المؤمن بإيمان، التي تملك فلسفتها الخاصة جداً في الحياة والعلاقات، هي الفنانة ياسمين عبد العزيز، التي تحرص على وجود إيمان في كل عمل جديد لها، بداية من فيلمها "الدادة دودي" عام 2008 وحتى الآن، حتى أن إيمان نفسها تؤكد باستمرار على الدور الذي تلعبه ياسمين في حياتها، واصفة ما تقوم به معها بـ"الجدعنة"، ولكنني ما زلت أتساءل: ماذا لو قرر سيناريست موهوب، ومخرج مغامر، أن يخرج بأفضل ما لدى إيمان، في عمل من بطولتها؟ أعتقد أن الإجابة من شأنها أن ترسم خريطة جديدة لنجوم الصف الأول.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.