لم تكتفِ آلة الحرب "الإسرائيلية" باستهداف المدنيين الفلسطينيين، بل اخترقت القوانين الدولية في أبشع الصور عبر استهدافها الأطفال بشكل خاص من خلال عمليات القتل والاعتقال، تحت مبررات وحجج واهية، وفي الحقيقة لا مبرر سوى أنهم فلسطينيون يطالبون بحقهم في حياة آمنة على أرضهم التي سُلبت منهم على مدار سنوات طويلة بفعل الإرهاب "الإسرائيلي" المنظم يتبع جيش الاحتلال الإسرائيلي سياسة ممنهجة في استهداف أطفال فلسطين، تحظى بدعم الإدارة الإسرائيلية، ويعكس ذلك ارتفاع عدد الشهداء من الأطفال.
وتسجل الذاكرة الفلسطينية مقتل آلاف الأطفال على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولا تسع سطور هذا المقال إلا لإشارة موجزة إذا أردت أن تبحث عن كيان يمارس جرائم ضد الإنسانية، وينتهك شتى حقوق الإنسان، ويرتكب جرائم حرب، ويمارس العنصرية، ويخترق كافة القوانين والأعراف الدولية؛ فلن تجد ذلك مجتمعاً إلا في الاحتلال الإسرائيلي، ورغم ما يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي وحكومته من انتهاكات مستمرة فاقت كل الحدود، في حق الفلسطينيين عموماً، والأطفال خاصة، فإن المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً للوقف أو الردع، بل تتمتع إسرائيل بمظلة حماية من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. وعلى جانب آخر لا تملك الأمم المتحدة بكافة هيئاتها أن تتخذ قراراً ضد إسرائيل.
ورغم ما تمارسه إسرائيل من انتهاكات بحق أطفال فلسطين جاء قرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في عام 2021 برفض إدراج جيش الاحتلال الإسرائيلي على اللائحة السوداء للدول والجماعات المنتهكة لحقوق الأطفال في مناطق النزاعات، رغم الانتهاكات الجسيمة الممارسة ضد الأطفال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وهنا يستدعي سؤال نفسه وهو: من يحاسب إسرائيل على جرائمها التي لا تتوقف بحق الفلسطينيين؟ الإجابة: الحساب سيكون من الفلسطينيين أنفسهم، مهما طال الزمن، ومن محمد الدرة إلى التميمي تتواصل مواكب الشهداء، وتبقى إرادة الفلسطينيين هي الفيصل، ومن يشاهد أطفال غزة والقدس المحتلة ويسمع منهم، يدرك أنهم رجال، وأمثال هؤلاء مهما طال الزمان هم من سيتحقق على أيديهم وعد الله النافذ بالنصر، وهذا ما لا يدركه كثيرون وعلى رأسهم المطبعون
ينتهج الجيش الإسرائيلي سياسة إطلاق النار والقوة المفرطة بهدف القتل وإيقاع الإصابات خلال عمليات الاقتحام والتوغل المتكررة التي ينفذها للمدن الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فيما يستخدم القصف الجوي والمدفعي دون تمييز خلال هجماته على قطاع غزة.
وأمام غياب المساءلة الجنائية، تساهلت القوات الإسرائيلية حتى في تنفيذ التعليمات الخاصة بها، وأدخلت السلطات الإسرائيلية تعديلات متكررة على القوانين والتعليمات ذات العلاقة، لتسهيل استهداف أفراد الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين، بعيداً عن الاعتبارات القانونية والدولية المعتقلة بالحماية الخاصة التي يتمتع بها المدنيون والفئات المحمية.
فقد شكلت عمليات استهداف الأطفال وقتلهم سياسة ثابتة اتبعتها القيادات السياسية والعسكرية الصهيونية واعتمدت على أعلى المستويات بهدف النيل من الأطفال الفلسطينيين وزرع الرعب والخوف في الأجيال الفلسطينية الناشئة وقتل الأمل في المستقبل في نفوسهم، وتحطيم حياتهم ومستقبلهم، كي لا يتمكنوا من حمل قضيتهم والدفاع عن حقوقهم.
تُعيد جريمة قتل الطفل محمد التميمي بجانب والده برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، قرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، إلى الأذهان حادثة استشهاد محمد الدرة في غزة، بعد أيام من اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000.
مشهد متكرر، جنود مدججون بأحدث أنواع الأسلحة يقتحمون مدارس الأطفال، ويلاحقون صغاراً في عمر الزهور، ويتعاملون معهم بوحشية مفرطة، مشهد لن تراه إلا في فلسطين، وتبثه شاشات الفضائيات، ويراه العالم أجمع، وكأنه لا يرى شيئاً؛ فالأمر يتعلق بفلسطين؟
يتبع جيش الاحتلال الإسرائيلي سياسة ممنهجة في استهداف أطفال فلسطين، تحظى بدعم الإدارة الإسرائيلية، ويعكس ذلك ارتفاع عدد الشهداء من الأطفال. فبحسب إحصائيات فلسطينية رسمية، استشهد منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) عام 2000 نحو 2230 طفلاً غالبيتهم في غزة خلال الحروب الأربع السابقة.
وأشار نادي الأسير إلى أنه منذ عام 2000، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 19 ألف قاصر فلسطيني، تقل أعمارهم عن 18 عاماً، كما أشارت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عام 2020 إلى أن دولة الاحتلال هي الوحيدة في العالم التي تحاكم بشكل منهجي ما بين 500 و700 طفل فلسطيني أمام المحاكم العسكرية كل عام، وتفتقر تلك المحاكمات إلى العدالة والحقوق الأساسية. وفق كم هائل من المعطيات والشهادات، فإن الاحتلال لا يأبه بأي قانون دولي ولا بأية أعراف، هي دولة قامت منذ سنوات طويلة على القتل والإرهاب والمجازر.
آخر معطيات هذه الجرائم حسب تقرير 2022 عن الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فرع فلسطين التي أكدت في بيان لها: "إن قوات الاحتلال تواصل استهداف الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، ما تسبب باستشهاد وإصابة العشرات منهم". وأوضحت أن جميع الأطفال استشهدوا جراء إصابتهم بالرصاص الحي في الأجزاء العليا من الجسد، ما يدل على أن إطلاق النار صوبهم كان بقصد القتل، وثّق فريق المرصد الأورومتوسطي في هذا التقرير قتل قوات الجيش الإسرائيلي 204 فلسطينيين في عام 2022، منهم 142 من الضفة الغربية، بواقع 69.6% من إجمالي القتلى، و37 من قطاع غزة، بواقع 18.1% من إجمالي القتلى، و20 من القدس بواقع 9.8%، و5 من البلدات العربية داخل إسرائيل، بواقع 2.4%. ولا تشمل هذه الإحصائية 18 فلسطينياً قتلوا في حوادث عرضية خلال الهجمات الإسرائيلية، 16 منهم في قطاع غزة و2 في الضفة الغربية.
يقول خبراء الأمم المتحدة إن عنف الإسرائيليين الذين استوطنوا بشكل غير قانوني في أراضي الضفة الغربية والاستخدام المفرط للقوة من قبل الجيش الإسرائيلي أدى إلى مقتل 150 فلسطينياً -33 منهم أطفال- في عام 2022، وهو أعلى رقم منذ عام 2005 عندما بدأت الأمم المتحدة في توثيق عمليات القتل.
"استشهد 383 طفلاً أو نسبة 64.4% من إجمالي 595 طفلاً استشهدوا في الفترة من 29 سبتمبر 2000 إلى 30 يونيو 2004 خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية نتيجة هجمات جوية وأرضية إسرائيلية أو أثناء تنفيذ محاولات اغتيال أو نتيجة فتح الجنود الإسرائيليين النار بشكل عشوائي" و"استشهد 212 طفلاً، أو نسبة 35.6%، نتيجة إصابات تعرضوا لها خلال الاشتباكات مع قوات الجيش الإسرائيلي." وتشير تقديرات الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال إلى إصابة 4816 طفلاً فلسطينياً على الأقل في الفترة من 1 يناير 2001 إلى 1 مايو 2003، وكانت معظم الإصابات ناجمة عن تحركات الجيش الإسرائيلي أثناء ممارسة الأطفال أنشطتهم اليومية الطبيعية.
تنتهج حكومة إسرائيل سياسة التمييز العنصري ضد الأطفال الفلسطينيين؛ فهي تتعامل مع الأطفال الإسرائيليين من خلال نظام قضائي خاص بالأحداث، وتتوفر فيه ضمانات المحاكمة العادلة. وفي ذات الوقت، تعتبر الطفل الإسرائيلي هو كل شخص لم يتجاوز سن 18 عاماً، في حين تتعامل مع الطفل الفلسطيني بأنه كل شخص لم يتجاوز سن 16 عاماً.
إن هذا الحادث ليس الأول الذي تُنفذه قوات الاحتلال باستهداف الأطفال الفلسطينيين وعمليات إطلاق النار بدون مبرر تجاههم في الضفة الغربية، لافتاً إلى أن الحركة العالمية تتابع وتُوثّق كل جرائم الاحتلال بحق الأطفال الفلسطينيين وانتهاك حقهم في الحياة. وأفاد بأنه بارتقاء الشهيد محمد التميمي ارتفع عدد الشهداء الأطفال إلى 20 شهيداً منذ بداية العام الجاري، وإزاء هذه الجرائم، تلتزم معظم دول العالم الصمت دون اتخاذ أي آلية لإدانة إسرائيل، ما يمنح جنود الاحتلال حصانة من المساءلة القانونية، وضوءاً أخضر لاستهداف متعمد للأطفال الفلسطينيين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.