منذ عمر السادسة عشرة وأنا أرغب في نشر مجموعتي القصصية، كانت وقتذاك عبارة عن 8 قصص، شجعتني معلمة اللغة العربية فذهبت أنا وصديقتي إلى دار النشر، وبعد نقاش مطول رفضت المجموعة لقلة العدد، تبعثرت أوراقي وانشغلت بالدراسة الثانوية العامة، بعدها خمس سنوات صيدلة، انقطعت عن الكتابة إلا من قليل من الخواطر، بعد ذلك تزوجت وبدأت أكتب من جديد، أنجبت طفلتي سابين، بعد ولادتها بيومين تكرمت من قبل رابطة النشر الأردنية لاشتراكي في مسابقة للمجموعة القصصية، وانقطعت بعد ذلك سنوات طويلة، ثم عدت وكتبت مقالات في مواقع إلكترونية عديدة، وجمعت قصصي وأعدت ترتيبها، ظل العدد قليلاً، كنت أكتب وأنشر في أحد المواقع الإلكترونية، ولم أكن أحتفظ بنسخ منها، ومع الأسف تغير الموقع وضاعت كتاباتي، ولم تعد موجودة، ثم واجهتني مشكلة: كلما كتبت ونشرت وجدت بعض القراء يقرؤون وينسبون إليّ القصص كأنها لحياتي الشخصية، كثير أيضاً لم يشجعوني على خطوة نشر المجموعة، وحدها صديقتي شجعتني بجملة: تجربة وادخليها ولا تفكري بالنتائج.
وهكذا كان، أنا الآن لا أنتظر مردوداً مادياً بقدر ما أنا سعيدة أنني وأخيراً جمعت كتاباتي التي أحبها كثيراً في كتاب، كنت متلهفة لصدوره، وسألت في أكثر من دار نشر وسألت أكثر من كاتب، ثم كانت وجهتي دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردنية، كنت أتصل بهم كل يومين أو ثلاثة لأسأل: إلى أي مرحلة وصل الكتاب؟ إلى حين صدوره كانت فرحتي عارمة، وشعرت بأنه خلاصة كل السنوات السابقة، أدعو الله تعالى تتويج هذه الخطوة بالنجاح، فكم تعبت فيها وسرت في طرق وتجارب صعبة لأنجز هذه القصص!!
إحساس عابر كتابي الغالي الأول، وضعني أمام خيار أصعب من البداية، فأنا الآن بصدد شيء مطور عنه، والتحدي بعد الخطوة الأولى يصير أكبر، على الكاتب إثراء تجربته دائماً، ويوصل القضية التي يعنى بها للقارئ، وكلما كانت القضية هادفة أكثر كانت الكتابة عنها أصعب، ففي كتابتي لبعض المقالات أضطر أحياناً لاستشارة محامين أو مراجعة قوانين الدستور، وكذلك بالنسبة للقصص.
ليس لدي متابعون كثر، ولست موجودة باستمرار على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما أقلقني، ولا أملك وقتاً كافياً لأتابع أحداً وأكون نشطة، ولكن أتمنى ذات يوم وصول كلماتي لأكبر عدد من القراء، أتمنى لو أن والدي كان حياً يرزق ليقرأ لي، وأدعو له بالرحمة والمغفرة، فهذا أقل ما يمكنني فعله تجاه ما فعله من أجلي، مكتبتنا الكبيرة التي كانت أول ملاذ لي، فتحت عينيَّ على الدنيا لأجده يقص عليّ القصص من تلك المكتبة، وجعل شغلنا الشاغل هو القراءة وتنظيم الوقت، وكتابة أفكارنا وجدولة مهامنا، تلقائياً ما أن وصلنا إلى عمر الشباب حتى كنا في مقدمة المثقفين والقراء، والدي عندما أخبرته برغبتي في النشر أول مرة لم يقبل، وكان يخشى تأثير ذلك على دراستي، كان يريد مني أن أكون صيدلانية، ها أنا يا والدي الحبيب أصبحت صيدلانية كما كنا نرغب أنا وأنت، وأصبح لي كتاب، كنت شريكاً لي في نجاحاتي، ليتك كنت موجوداً الآن لتقرأ ما كتبت، أهديت لك كتابي ولروحك العذبة، ولأبنائي وزوجي عائلتي الصغيرة التي أتمنى أن أكون صنعت لهم شيئاً يفخرون به، ولأمي وعائلتي الكبيرة التي أسهمت في صقل تجربتي وشحذ قلمي، ولكل من كان له معي ذكرى سعيدة أم حزينة، فكلتاهما تثري القلم.
هنا سأخص بالذكر معلمات اللغة العربية اللواتي درّسن لي، ولكل قارئ سيقرأ كتابي أتمنى له قراءة ممتعة، وأتمنى أن يحظى كتابي بالنجاح، أتمنى أن تكون قراءته ممتعة وشيقة. إحساس عابر تجربتي الأدبية الأولى، والحمد لله الذي تمم هذه الخطوة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.