للإنسان قدرة هائلة على اكتساب المعرفة واستخدامها في معالجة الأزمات وحل المشاكل والقضايا التي يتصدى لها الإنسان جنباً إلى جنب مع خبرته في الحياة وتقديره للمواقف المتعددة، فالقدرة على التعلم واكتساب المعلومات والفهم سمات مميزة للذكاء البشري. وينشأ ذلك من خلال التجارب التي يمر بها الإنسان والخبرة التي يكتسبها المرء ويساعده ذلك على التمييز الدقيق بين القضايا والخروج من الجزئيات إلى الكليات.
إن عملية احتفاظ العقل البشري بالمعلومات يسهل عليه التوصل إلى حل للمشاكل والقضايا التي تواجهه، فيقوم المرء باسترجاع الخبرات السابقة والاستعانة بها في المواقف الحياتية الجديدة وحسن التقدير للموقف والمعالجة المنطقية للمعطيات وصولاً إلى الحلول الجيدة، فالمعرفة لدى البشر تراكمية قائمة على القياس والاستنباط والاستنتاج.
إن الذكاء سمة اتصف بها الكائن البشري منذ نشأة الخلق، فكان من أكبر الأدلة على اصطفاء الخالق للكائن البشري على سائر المخلوقات الأخرى، ومن الطبيعي أن يكون هناك صفات تدعم هذا الاصطفاء فكان العقل البشري أهم دلائل هذا الاصطفاء ومقوماته.
يمكن القول إن الذكاء الطبيعي بشكل ما يكمن في قدرة الإنسان على اكتشاف أسرار وقوانين الكون والقدرة على إبداع الأفكار وإيجاد حلول المشكلات وتفسير الظواهر الكونية وفهم العلاقات بين الأشياء واختراع العديد من الوسائط التي تساعده على تطوير حياته، وقد توجت بصناعة الحاسوب الذي أدى إلى مضاعفة الأداء الذهني والابتكاري عند الإنسان؛ ما جعل البعض يطلق عليه العقل الإلكتروني.
نشأ الذكاء الاصطناعي في ظل اتجاه جديد هو الاتجاه التعددي، حيث إن البحث العلمي لم يعد مجهوداً فردياً ذاتياً يقتصر على مجال واحد في تخصص علمي واحد. ويأتي علماء الذكاء الاصطناعي من تخصصات مختلفة منها الحاسب الآلي والرياضيات والمنطق وعلم اللغة والفلسفة وعلم النفس، والذكاء الاصطناعي حقل من الدراسة القائمة على فرضية أنه يمكن اعتبار التفكير الذكي شكلاً من أشكال الحوسبة ويمكن تنميطها بل ميكنتها في نهاية الأمر، ولتحقيق ذلك هناك مسألتان رئيسيتان يجب التصدي لهما؛ تمثيل المعرفة، ومعالجة المعرفة.
يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه نمذجة جوانب من التفكير البشري على أجهزة الحواسيب، فهو الحقل الفرعي لعلوم الحاسب والمعنية بمفاهيم وأساليب الاستدلال الرمزي بواسطة الحاسب وتمثيل المعرفة الرمزية للاستخدام في صنع الاستدلالات.
تحاول برامج الذكاء الاصطناعي التعامل مع رموز تعبر عن معلومات غائمة مثل: الجو اليوم بارد، والطعام له رائحة زكية وهو تمثيل يقترب من شكل تمثيل الإنسان لمعلومات في حياته اليومية، إذاً يحاول الذكاء الاصطناعي إضفاء إحدى السمات المميزة للعقل البشري وهي القدرة على التعامل مع المنطقة الغائمة غير الواضحة وغير المحددة الكامنة في الكثير من الأمور الحياتية لدى البشر كالتفكير، والحوار، والتي يصعب على الآلة بشكلها التقليدي التعامل معها.
الذكاء الاصطناعي لا يطبق على الأجهزة، والآلات (الروبوتات) فحسب، بل يتم كذلك داخل أنظمة الحاسوب "البرامج الذكية، أو الخوارزميات"، كما تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات، وفي القلب منها البيانات المتاحة على منصات التواصل الاجتماعي.
إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي هي مزيج من التقنيات المختلفة سواء كانت برامج، أو أجهزة، أو مزيجاً بين الاثنين فبعض هذه التقنيات قائمة على البرمجيات، والشبكات العصبية الاصطناعية، والحوسبة التطورية، والنظم الخبيرة، والتعلم الآلي، وهناك تقنيات تستند إلى البرامج الذكية، والبرمجيات التي تعمل على استخراج البيانات، والنصوص، وتحليل المشاعر، بالإضافة إلى تقنيات تعتمد على الأجهزة وبالأخص الروبوتات، والمركبات المستقلة، والرؤية الاصطناعية.
الفصل التام بين قاعدة المعرفة ونظم المعالجة التي تستخدم هذه المعرفة من أهم ما يميز طرق بناء الذكاء الاصطناعي، فمواد المعرفة واضحة، ودلالاتها ومعانيها مفهومة، أما ما يكتب لغة البرمجة الذي يصعب فهمه لغير المتخصص، فهو مجموعة نظم المعالجة التي تفسر مواد المعرفة هذه وهي تحدد في أي حالة وفي أي مرحلة من مراحل البرنامج يكون أي من قوانين الاستدلال فعالاً.
فتمثيل المعرفة يعتمد على قاعدة من البيانات والمعلومات القوية الواسعة التي تشمل جميع التفاصيل والحقائق، ثم حرفية عالية في التعامل مع المعلومات والاستفادة منها على الوجه الأمثل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.