في يوم السادس عشر من شهر فبرير عام 2014، كان من المفترض أن يكون العجوز المريض Arne Herskov، ذو الأربعة والثمانين عاماً، في سريره الدافئ وسط غرفته في المستشفى، ولكن الطاقم الطبي للمستشفى عثر عليه ميتاً دون سبب واضح للوفاة.
فلم تكن على جسده أية آثار للصدمة، وكان بصحة جيدة قبل وفاته مباشرة، ومع ذلك كشفت عملية التشريح أنه تُوفي جراء فشل رئوي بعد حقنه بمادة المورفين ومادة الديازابام.
ثم في يوم الثالث عشر من مارس من العام نفسه، عثر طاقم المستشفى على المريض العجوز Viggo Holm Petersen، ذي الأربعة والثمانين عاماً أيضاً ميتاً في سرير غرفته، وعلى غرار سابقه لم يحمل جسده أي أثر للصدمة، وكشف التشريح أنه تُوفي بسبب فشل رئوي، تسبب به حقنه بمادة المورفين والديازابام.
وفي فبراير 2015 تكررت المأساة نفسها بكافة تفاصيلها، مع المريضة العجوز Anna Lise Poulsen، ذات الثلاثة والثمانين عاماً، ليكشف التشريح تكرار سبب الموت أيضاً وتطابقه مع الحالتين السابقتين.
وبعد حالة آنا بعدة أيام فقط غابت ماجي ذات الأربعة والسبعين عاماً عن الوعي فوق سريرها في المستشفى، ورغم أن الأطباء استطاعوا إنقاذها فإنها عانت من ضرر دائم بالدماغ، وبعد التحليل تبيّن أن شخصاً ما قام بحقنها بجرعة مميتة من مادة المورفين ومادة الديازابام.
اشتركت الحوادث الأربع الأخيرة في كونها حدثت خلف جدران المستشفى نفسه، وهو مستشفى Nykøbing
Falster في الدنمارك، واشتركت كذلك في كون الممرضة Christina Aistrup Hansen آخر شخص كان مع الحالات الأربع.
فما الذي حدث حقاً لهؤلاء المرضى؟ و لماذا يرتبط اسم الممرضة كريستينا هانسن بموتهم؟
هذا ما يكشفه المسلسل الدنماركي القصير والجديد على شبكة نتفليكس، والذي صدر بعنوان The Nurse.
مسلسل The Nurse.. عن الجرائم والمجرم
بعد المأساة التي تكررت مع أربع حالات، لاحظت الممرضة Pernille Kurzmann Larsen أن زميلتها كريستينا هي الممرضة التي كانت الحالات الأربع في رعاياتها قبل موتهم، كما أن كريستينا تمتلك تصريحاً يخول لها الوصول الآمن للمواد التي تم حقن هؤلاء المرضى الأربعة بها.
وبعد تفكير عميق وشك كاد أن يجعلها تتراجع عن قرارها، اتصلت بيرنيل بالشرطة وأخبرتهم بما حدث، وما تعرفه عن علاقة كريستين بالضحايا، فهي كانت آخر شخص تواصل معهم قبل موتهم طبقاً لسجلات المستشفى، ولكن رغم ما تعرفه كريستين كان الأمر عصياً على الشرطة، حتى كادت أن تنجو كريستين بفعلتها.
فحسب التحقيقات، كانت كريستين قاتلة حذرة، فقد كانت حريصة تماماً على إخفاء كل آثارها وبصماتها من موقع الجريمة، وهذا ظهر جلياً في اختيارها لطريقة القتل.
فقد اختارت قتلهم باستخدام مزيج من المورفين والدايابازم، حتى لا يتمكن أحد من تتبع هذه المواد وصولاً إليها، كما كانت حريصة تماماً على التخلص من فوارغ الأدوية والحقن التي استخدمتها بطريقة لا تدع مجالاً للشك بها.
وبالطبع، بسبب أنها ضمن طاقم المستشفى، كانت على دراية تامة بطريقة عمل كاميرات المراقبة وأوقات عملها وتعطلها، وقد استطاعت في جرائمها الأربع تجنب كاميرات المراقبة بنجاح.
ولكن ماذا عن زملائها؟ ألم يلاحظوا شيئاً غريباً بشأن تصرفاتها خلال فترة ارتكابها لتلك الجرائم؟ للأسف لا، فكريستين كانت قادرة بشكل خارق واستثنائي على الاندماج بين أفراد محيطها ومجتمعها، فقد كانت محبوبة وسط طاقم المستشفى وزملائها من الممرضات، كما أنها حافظت على علاقة دافئة وجميلة مع المرضى، ولم يكن ليخطر على بال إنسان تَعامَل معها شخصياً أنها قادرة على قتل إنسان.
التحدي أمام الشرطة
كان الأمر يمثل تحدياً حقيقياً أمام فريق التحقيق، فدرجة الاحتراف والترصد التي مارست بها كريستين جرائمها جعلت إدانتها أمراً عصياً عليهم، لذا كان عليهم بناء قضية ضدها من الصفر، عن طريق تجميع قطع الأحجية اللازمة، حتى يضعوها في السجن ولا يسمحوا لها بالخروج منه أبداً.
استمر التحقيق شهوراً طويلة، تم خلالها استجواب كل الشهود خلف جدران المستشفى، ومراجعة كل سجلات المراقبة وسجلات التحركات والرعاية داخل المستشفى، وأخيراً تحليل كل آثار الجريمة في غرف الضحايا ومراجعة عملية تشريحهم.
في النهاية، وبعد أن استطاع فريق التحقيق إثبات قدرة كريستين على الوصول للأدوية التي استخدمتها في جرائمها، وكذلك إثبات وجود فرصة لها لتنفيذ الجرائم على مرضاها، نجحوا في بناء قضيتهم، وتم اعتقال كريستين في شهر مارس 2015، لتهز الجريمة أركان المجتمع الدنماركي كاملاً، وتطلق تساؤلات حول أمان المرضى داخل المستشفيات وبين أيدي أطبائهم وممرضيهم.
وفي عام 2016 تمت إدانتها من المحكمة، والحكم عليها بالسجن مدى الحياة، حاولت كريستين تقديم طعن على الحكم، لكن طعنها رُفض، وإلى الآن لا تزال تقضي عقوبتها في السجن الدنماركي.
لماذا فعلت ذلك؟
أمام مثل هذه الجرائم البشعة لا نجد أنفسنا إلا متسائلين عن الدافع الذي قد يجعل ممرضة أقسمت على حماية حياة مرضاها تقوم بقتلهم، ولم نجد في هذه القضية إجابة مرضية عن هذا السؤال.
فطوال فترة التحقيقات التي تمت مع كريستين في السجن لم تنطق بكلمة واحدة عن دافعها لقتل هؤلاء المرضى، وهذا الصمت دفع المحللين والخبراء النفسيين للقول إن كريستين في الواقع معتلة اجتماعياً، لهذا تمتلك القدرة على تصنع المشاعر والاندماج وسط محيطها من البشر.
في حين أنها تمتلك خللاً عقلياً جدياً يجعلها قادرة على ارتكاب مثل هذه الجرائم بلا أي نوع من تأنيب الضمير.
تعمق بعض الخبراء أكثر في قضيتها، واقترحوا أنها ارتكبت هذه الجرائم بدافع الرحمة، فربما هي لم تُرد لهؤلاء المرضى أن يعانوا جراء التقدم في العمر والمرض، وأنها بقتلهم تقوم بفعل رحيم في النهاية.
تتشابه قضية كريستين في الواقع مع قضية الممرض السفاح Charles Cullen، والذي تحدثنا عنه سابقاً في مقالة أخرى، حين أصدرت نتفليكس وثائقيها الممتاز Capturing the Killer Nurse في العام السابق.
والآن نأتي أخيراً إلى المسلسل
عن مسلسل The Nurse
يقوم مسلسل the nurse بتسليط الضوء على الجرائم السابقة بمكبر درامي ممتاز، ويقوم بسرد مناقشة حقيقية حول فكرة الأمان الذي يجب أن يشعر به المريض، وهو بلا حول ولا قوة على سرير رعايته داخل المستشفى.
كما يقدم المسلسل أداء درامياً رائعاً، يأخذك في رحلة شخصية حول تفاصيل تلك الجرائم المرعبة، وكذلك داخل شخصية القاتلة نفسها، وهذا قد يمنحك في النهاية فكرة عن دوافعها الحقيقية وغير المكشوفة في ساحات القضاء وغرف التحقيق.
انتقد بعض النقاد المسلسل لكونه لا يجد حرجاً في كشف التفاصيل المؤلمة والمرعبة لتلك الجرائم، لكن اتفق الجميع على كونه يكشف الكثير والكثير من التفاصيل، التي ستجعلك في حالة من التوتر والخوف.
بالطبع كان الهدف من المسلسل هو مناقشة مثل هذه الحوادث حتى يدفع صناع القرار لصياغة قوانين جديدة تقوم بحماية المرضى في المستقبل، وكما قلت سابقاً هذا النوع من الجرائم قد تكرر أكثر من مرة، وهو ما يتركنا في حيرة من أمرنا حول الوحوش المماثلة لكريستين، والتي لا تزال تسير بيننا كالذئاب خلف أقنعة الخراف.
في النهاية سيمنحك هذا المسلسل القصير دفعة من الخوف والحيرة، ربما لن تجد لها مثيلاً في مكان آخر، لأن ما يسرده ليس بعيداً عنك بأي حال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.